كان للحضارة السومرية – البابلية تأثيرا مُباشرا وفعالا على ديانات أغلب شعوب العالم ، وخاصةً تأثيرها الكلي الواضح على الديانات التوحيدية للشرق الأوسط ، وعلى كتبة التوراة والتلمود ، وهو ما سيتناولهُ البحث .
كِتاب العهد القديم ( التوراة ) كان قد تم إعتباره - ولقرون عديدة - كتاباً مُقدساً أوحاهُ أو الهمهُ الرب للعبرانيين ، ومما ساعد على في تصديق الناس بهِ ، هو أن الزمن والحروب الطاحنة والخراب والنسيان والتراب غمروا وإلتهموا كل الحضارات الرافدية والمصرية والكنعانية القديمة حسب حتمية : ( أقوام وشعوب سادت ثم بادت ) !. ولكن فك رموز الكتابة الهيروغليفية ( المصرية ) وبعدها بزمن قصير رموز الكتابة ( المسمارية ) ثم الأكدية والبابلية والآشورية والكنعانية والفينيقية ، سلط مئات الأضواء الكشافة على زيف التوراة و إدعائها لما ليس لها !!. وفي هذا يقول سيد القمني في كتابهِ ( قصة الخلق ) : [ هناك إشكالية كبرى عن كون اليهود قد جعلوا جماعتهم وأربابهم قطب الدائرة في التوراة ، فنسبوا بطولات الملاحم إلى آبائهم الأوائل أحياناً ، أو نسبوا أبطال أساطير شعوب أخرى إلى أنفسهم ، وإدعوا النسب السلالي إليهم أحياناً أخرى ، فكانت النتيجة : مزيجاً هجيناً من ثقافات شتى ، تعود إلى الراسب الثقافي لمجموعة كبرى من شعوب المنطقة ، تلاقحت جميعاً على صفحات الكتاب المقدس ، ولعب فيها اليهود دور البطولة المُطلقة ] .
والظاهر أن العبرانيين ، وهم في أصولهم أشباه بدو ، كانوا قد أعجبوا لحد الوله والتقليد الأعمى بالحضارات العريقة ( الأصلية ) المتناثرة حولهم كالنجوم الساطعة في ليل بدائيتهم ، لِذا قاموا بنسخها وإقتباسها وتقليدها وتحويرها قدر الإمكان ، لكنهم لم يكونوا موهوبين حتى في ذلك ، لهذا نراهم يرتكبون الأغلاط الكثيرة التي أضحكت العلماء الباحثين المُدققين في الإكتشافات العملاقة لحفريات ونبش ما تحت تربة بلاد الرافدين ومصر والشام ، والتي أزاحت غبار مئات السنين عن الآثار والألواح والرقم الطينية المفخورة ، ومن خلال كل ذلك تم أيضاً إثبات أن التوراة لم تكن أول نص مكتوب كما كانوا يزعمون !!.
ويومها ضج كل العالم المتحضر ، وتحديداً مؤدلجي الفكر الديني والقومي والعنصري ، والحرس القديم من مُمثلي الرب على الأرض ، والذين رفضوا التصديق والقبول بأن جذور ومصادر أديانهم المُقدسة ، هي في أصلها أساطير وخرافات وأديان أقوام قديمة مُبدعة خلقَت وتعاملت مع هكذا فكر وممارسات لتفسير العالم الغامض الذي كان يُحيطها بلا أدريته من كل جانب .
كذلك إكتشفوا بأن كِتابة التوراة لم تكن عملاً قام بهِ النبي موسى لوحدهِ كما كان يُعتقَد ، بل شارك في حَبكِه ونسج لحمته وسداه - بعد إقتباسهِ - عشرات الكُتاب العبرانيين ، وفي أماكن متباعدة جغرافياً ، وعبر أزمنة مُختلفة جداً تُقدَر بألف عام بين أول وآخِر مُقتبس !!. وفي هذا يقول الأب سهيل قاشا في كتابهِ - أثر الكتابات البابلية في المُدونات التوراتية : [ التوراة ليست كتاباً واحداً ، بل سلسلة من الكتب ، كتبها عدد من الكتاب في أزمنة مُتباينة ، وإنها لا تقتصر على موضوع واحد أيضاً ] .
أما العالِم د. طه باقر فيقول في كتابهِ ( مُقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ) : [ ومما يُقال عن بقاء اليهود في بلاد بابل – بعد السبي البابلي الثاني والذي تم فيه تدمير أورشليم ودك معالم هيكل سليمان – وما تركهُ من تأثيرات كبيرة في الديانة العبرانية وفي تطور معتقداتها الأساسية بحيث يصح القول ان هذه الديانة بوصفها ديانة مُوحِدة مع نضج فكرة الوحدانية فيها ، إنما نمت في أثناء بقاء اليهود في بلاد بابل ، كما بدأ فيها جمع أسفار التوراة وتدوينها ما بين القرنين الخامس والسادس ق.م ، ودُوِنَ التلمود البابلي الشهير في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، هذا بالإضافة إلى ما أخذهُ اليهود من آداب حضارة وادي الرافدين ومعارفها وأساطيرها وقصصها ] .
كذلك يقول صمويل نوح كريمر ، وهو من علماء السومريات أيضاً : [ فقبل أن يُدون العبرانيون توراتهم ، والإغريق الياذتهم وأوديستهم بألف عام ، نجد في بلاد سومر أدباً غنياً ناضجاً يتضمن الأساطير وقصص الملامح والتراتيل والمراثي ، ومجموعات من الأمثال والخرافات والرسائل والمقالات والمناظرات ] .
أدناه ( بعض ) الإقتباسات التوراتية ، وهي الأهم والأكبر من ضمن المئات منها . أغلبها ليس بالجديد على القارئ القديم ، لكنها قد تكون مُختلفة في طريقة تقديمها وعرضها وربط حوادثها وتنسيقها والتعليق عليها ، والعقل وليُ التوفيق .
1 - جذور إقتباس قصة الخلق والتكوين
كتصرف طبيعي غريزي وبديهي لمَلَكَة العقل عند الإنسان ، نراهُ يحاول منذ البدء تفسير ما حوله من موجودات وكائنات ومعميات وعوالم ، كتصدي لِما لَم يكن يعرف أو يفهم من أسرار لجود العالم ووجوده هو وموتهِ ، وكان من ضمن تفسيراتهِ وقناعاتاتهِ ما وَصَلنا من قصص الخلق والتكوين . وأول وثيقة لقصة الخلق والتكوين وصلتنا من بلاد الرافدين تعود لحوالي 3000 سنة ق.م ، وملخصها هو : (( في البدء كانت الإلهة ( نمو ) لوحدها ، وهي المياه الأولى التي إنبثق منها كل شيء ، ثم أنجبت ولداً ذكراً ( آن ) إله السماء ، وأنثى ( كي ) آلِهة الأرض ، وكانا ملتصقين ببعضهما وغير منفصلين عن أمهما نمو ، وحدث آن تزوج ( أن ) من أخته ( كي ) وأنجبا إله الهواء ( أنليل ) والذي بقوته الجسدية حرر إلتصاق أمه وأبوه عن بعضهما فصار ابوه السماء وأمه صارت الأرض ، ثم أنجب أنليل ( نانا ) إله القمر ، والذي بدوره أنجب ( أوتو ) إله الشمس ، ... الخ )) .
ثم تبعتها قصص بابلية مُقتبسة منها في حوالي 2000 ق.م ، كان آخرها وأضبطها ملحمة الخلق البابلية المسماة ( إينوما إيليش – عندما في الأعالي ) ، وتُمثل الشكل النهائي لتلك الملحمة .
الإختلاف في كل تلك القصص كان جزئيا جداً لا يتعدى كونهِ إختلافاً في تسمية الآلِهة مع تغير بعض التفاصيل الهامشية ، وهي إختلافات حتمتها سلطة وقوة المتغيرات السياسية والحربية والإجتماعية للمدن والدول والحكام ، وكمثال : نجد أن الإله ( أنليل ) وهو الإله الخالق عند الأقوام السومرية ، يأخذُ إسم الإله ( مردوخ ) عند البابليين بعد أن إقتبسوا الفكرة من السومريين ، كذلك نُلاحظ تغيير الإله ( أنكي ) بالإله ( أيا ) .
كذلك نُلاحظ أن الآشوريين وبعد أن إقتبسوا قصة الخلق ( إينوما إيليش ) من البابليين يقومون عمداً على كشط إسم الإله ( مردوخ ) عن الكثير من الرُقم الطينية التي كانت من ضمن غنائم الحروب العديدة بين هذين الشعبين ، [ ويعيدون نسخ بعضها الآخر ويضعون إسم إلههم ( آشور ) بدلاً من الإله البابلي ( مردوخ ) ، مع إعطائهِ كل صفات الإله مردوخ !!، لكن عملهم لم يكن مُتقناً ، فقد بقي في هذه الكتابة ما ينم عن وجود مردوخ ] . إقتباس بتصرف من كتاب ( أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية - الأب سهيل قاشا ) .
ومن الجدير بالذكر أنه تم إكتشاف الواح ( الإينوما إيليش ) في مكتبة الملك ( آشور بانيبال ) ، وتم أيضاً توثيق أصلها البابلي وليس الآشوري والذي يقول أنها كُتبت في حوالي سنة 1750 ق.م في بابل ، والظاهر إن إكتشافها في مكتبة آشور بانيبال كان لكونها من غنائم الحرب السجال بين الآشوريين والبابليين ، والتي إنتهت بتدمير البابليين لنينوى وآشور نهائياً في سنة 612 ق.م ، وبعدها بفترة قصيرة هوت بابل ودُمِرَت إلى الأبد على أيدي الفرس وقائدهم كورش سنة 539 ق.م ، وبمساعدة وخيانة يهود بابل الذي كانوا من نسل السبي البابلي الأول والثاني لأورشليم !
تُحدِثنا ملحمة ( الأينوما إيليش – عندما في الأعالي ) عن انه لم يكن موجوداً في بداية الزمن إلا الماء الأزلي الشاسع ، والفوضى (( بحر أول فوضى في الكون )) ، إختلط فيهِ الماء العذب ( إبسو ) بالماء المالح ( تيامات ) !.
ومن تلك الفوضى الرهيبة خُلقت أوائل الآلهة ، ومع مرور الوقت قرر بعضها تنظيم العالم ، فأدى ذلك إلى غضب الإله ( إبسو ) وزجتهِ ( تيامات ) ربة ورمز الفوضى العظيمة ، وكانت اُنثى شريرة ومُشاغبة وعلى شكل تنين لهُ سبعة رؤوس .
وتقول بقية الأسطورة أنه إتحد المتمردون تحتَ راية وقيادة الإله الحكيم ( إيا ) وقتلوا الإله ( إسبسو ) ، فقررت الإلهة ( تيامات ) الإنتقام لمقتل زوجها . وتقع معركة دموية رهيبة إنتصرت فيها آلِهة النظام تحت قيادة الإله ( مردوخ ) الذي قتل ( تيامات ) وخلص العاَلم من شرورها وأذاها ، وشطر جسدها المائي شطرين (( كما تُفلقُ الصدفة ))، وصنع منهما السماء والأرض ، ثم يتم خلق النبات والحيوان والشمس والقمر وإلإنسان والحياة ... الخ .
أما قصة الخلق التوراتية فتقول لنا - مُختصر - : أن الرب العبراني بعد أن قضى على فوضى الماء ( الغمر المائي ) الذي كان أول موجودات الوجود كمحيط أزلي مظلم صَوَرَتهُ التوراة كوحش خرافي عظيم أسمتهُ ( الواياثان ) ، وهو التنين ذو الرؤوس المتعددة ، والذي يقوم رب التوراة بشقه نصفين ليصنع منهما السماء والأرض !. وقد إستمرت عملية الخلق هذه ستة ايام إستراح بعدها الرب من عناء عملهِ في اليوم السابع وجلس على العرش ! .
في سفر التكوين نقرأ كذلك : (( وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف على وجه المياه ، وقال الله : ليكن جلد في وسط المياه ، وليكن فاصلاً بين مياه ومياه ، فعمل الله الجلد ، وفصل بين المياه التي تحت الجلد والتي فوق الجلد ، وكان كذلك ، ودعا الله الجلد سماء ... الخ )) .
في القرآن نجد سورة هود آية 6 : (( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وكان عرشه على الماء )) . كذلك يقول القرآن : (( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما )) .
من خلال كل ما تقدم نعرف بأن التوراة – وهي اُم الديانات التوحيدية – قد بنت أولى أفكارها حول الخلق والتكوين على أساطير سومر وبابل وبالذات على ملحمة الخلق ( إينوما إيليش – عندما في الأعالي ) !!!، والبقية تأتي .
2 – جذور إقتباس فكرة خلق الإنسان من التراب وعلى صورة الخالق
الكثير من أساطير الشعوب تحوي قصصاً مُشابهة لخلق الإنسان من الطين ، منها البابلية بواسطة الإله ( مردوخ ) ، المصرية بواسطة الإله ( خنوم ) ، الإغريقية بواسطة الإله ( برو ميثيوس ) ، العبرانية اليهودية بواسطة الإله ( يهوة أو إيلوهيم ) ، وغيرها الكثير من القصص والأساطير لأقوام وشعوب العالم .
وكل هذه الأساطير مصدرها واحد : سومري رافدي ، والأصل موجود في مقطع من الأسطورة السومرية ، حيث يقول الإله ( أنكي ) لأمهِ ( نمو ) :
إمزجي لب الطين بمياه الأعماق
وسيقوم الُناع الإلهيون المَهرَة ، بتكثيف الطين وعجنهِ
وقومي أنتِ يا أُماه ، ببناءِ الأعضاء والجوارح
وستعملُ معكِ ننماخ – الآلِهة الأم – يداً بيد
وستقف جنبك لمساعدتك أثناء التكوين ، كل ربات الولادة
ولسوفَ تختارين للمولود الجديد يا اُماه ، مصيره
وستُعَلِقُ ننماخ عليهِ شكل وصورة الآلِهة
إنه الإنسان
ونرى بأن هذا المقطع من الأسطورة يقول لنا بأن الإنسان صُنع من التراب ( الطين ) ، وعلى هيئة وصورة الآلِهة ، وأن مصائر البشر مُقدرة ومكتوبة منذ لحظة خلقهِ ، وهو إقتباس آخر كان يسميهِ السومريون ( الواح القدر ) ، وفي لغاتنا العربية يُعرف ب ( المكتوب على الجبين تشوفو العين ) ، و( القسمة والنصيب ) ( والمُقدر والمكتوب ) ، وغيرهما الكثير .
وكمحاكاة لهذه الأسطورة تذكر التوراة في سفر التكوين 1: 26-27 : (( قال الله : لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا ، فخلق الله الإنسان على صورتهِ ، على صورة الله خلق البشر ، ذكراً وأنثى خلقهم ، وباركهم الله ... )) . كذلك نجد في سفر التكوين 3 - 19 : (( ....... حتى تعود إلى الأرض ، لأنك منها اُخِذتَ ، وأنتَ تراب وإلى التراب تعود )) .
أما القرآن فيقول : (( وخلقنا الإنسان من علقْ )) ، وفي آية الأنعام : (( هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجلٌ مسمى عنده ثم أنتم تَمتَرون )) . كذلك في القرآن : (( وخلقنا الإنسان من صلصالٍ كالفخار )) . ونقرأ في كتاب ( العين ) للخليل بن أحمد الفراهيدي قوله : (( وخُلِقَ آدم من طين ، ومكث في الشمس أربعين يوماً ، حتى صارَ صلصالاً )) .
في الأسطورة السومرية نرى أن الغرض الرئيسي من خلق الإنسان هو لعبادة وخدمة الآلِهة ، عن طريق تزويدها بالطعام والشراب والمسكن وكل ما تحتاج . لكي تُعطى تلك الآلِهة - صغارها وكبارها – الفرصة للقيام بأعمالها الربانية بصورة منتظمة ، وقصة خلق الإنسان السومرية تبدأ من مشكلة إجتماعية حدثت بين فئتين من مجمع الآلِهة : ( الأناناكي ) وهم رؤساء الآلِهة ، و( الإيكيكي ) وهم آلِهة من الدرجة الثانية أقل منزلةً وشأناً ، وكانوا يُمثلون الشغيلة المُسخرين للعمل المُرهِق جداً لخدمة الآلِهة الكبار الأناناكي .
ويحدث أن كثرة العمل والضغط يُولد ضغوط تؤدي لثورة الإيكيكي الذين يُضربون عن العمل ويقومون بإحراق وتدمير أدوات العمل وعدتهِ ، ويذهبون ليحتجوا على سوء وبؤس أوضاعهم عند كبير الآلِهة ( إنليل ) ، ويبدو أنه كان يقوم بدور المهندس أو المشرف ، أُسطة أو فورمن أو مانِجَر أو ربما باش مهندس .. شيئ من هذا القبيل .
والمفهوم من سياق أحداث الأسطورة أن إضراباً كهذا سيؤدي إلى مجاعة وشقاء ودمار !!، فالآلِهة الكبيرة لا تعمل حتى لو جاعت ، يعني نوع من ( تنابلة السلطان ) !!، ولهذا نراهم يعقدون إجتماعاً طارئاً لمجمع الآلِهة ، وعلى رأسهم الإله ( أنو ) والإله ( أيا ) وهو الإله الصاحي الذكي الدقيق والمُبتكر ( هذه صفاته ) ، والذي يقترح خلق بديل للآلِهة الصغار ( الإيكيكي ) ، ولكن بشروط منها : أن يكون البديل الإنساني موهوباً وحاذقاً وذكياً كما هي الآلِهة ، ويُشترط على البديل أيضاً عدم الإعتراض والتذمر والإضراب ، لأن ذلك سيُعرض عالَم الآلِهة الكبار والصغار للخطر ، والشرط الثالث أن يُعطى هذا البديل حياة قصيرة ولا ينال الخلود المُخصص فقط للآلِهة !!!.
وأعتقد هذه الشروط التعسفية لا زالت مفروضة على البشر لحد اليوم . وكلنا يعرف إنها من صنع الكهنة المستفيدين دائماً وأبداً عبر كل العصور .
ولا يفوتنا في قصة خلق الإنسان هذه أن مجمع الآلِهة قام بقتل إله قاصر ( أويل – إله العقل ) ومزجوا دمه مع الطين لإعطاء المخلوق الجديد ميزة العقل التي ستساعدهُ في القيام بأعمالهِ اليومية !!.
ونرى أيضاً أن واحدة من أسباب خلق الإنسان هي لعبادة تلك الآلِهة ، وحتى هذه الفكرة تم إقتباسها ، وتأتي على لسان النبي محمد : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ، ومنها نفهم الإصرار الإسلامي على أن الفكرة الأساسية لخلق البشر هي لعبادة الله ، وكل ما عدى ذلك أمورٌ تافهة وثانوية .
وفي التوراة : (( .... ذكراً وأنثى خلقهم ، وباركهم الله ، وقال لهم : إثمروا وإكثروا وإملأوا الأرض )) ، ومن هذه الفقرة التوراتية إقتبس النبي محمد كلامه : (( تناكحوا تناسلوا تكاثروا إني مباهٍ بكم الأمم في يومِ القيامة )) !!، والحق .. لا أعرف إن كان سيُباهي بالنوعية أم الكمية !؟ .
وكما في الأسطورة السومرية إقتبست الأديان التوحيدية فكرة مُطالبة الإنسان المسكين أن يكون عبداً حقيراً ذليلاً للخالق المزعوم ، بل هي تُشدد على ذلك ، وتتهدد الإنسان بأفضع العقوبات الدنيوية والأخروية فيما لو فكر أو شرع في عدم الطاعة ، وتُذكره كل يوم وكل ساعة بما ينتظرهُ في الجحيم وجهنم وبئس المصير .
3- جذور إقتباس قصة الخطيئة الأولى – آدم وحواء
وجد المنقبون وعلماء الآثار في العراق نقشاً سومرياً على شكل ( ختم أسطواني ) ، يُصَوِر رجلاً على رأسهِ قلنسوة أو قرنين ، وإمرأة حاسرة الرأس ، وهم في حالة جلوس فوق كرسيين متقابلين وبينهما شجرة نخل ، وكلاهما ماداً يده نحو عذق التمر الذي يُقابلهُ ، والمتدلي من النخلة ، كذلك تظهر الحية منتصبة وقوفاً خلف المرأة !!.
وحتى بدون أن يرى بعضكم صورة هذا النقش ، فبماذا توحي لكم هذه الصورة الحجة ؟
كل ما فعلهُ المُقتبس التوراتي هو أنه أعطى للشخصين الآدميين أسماءً ( آدم وحواء ) ، وإستبدل النخلة وعذقي التمر بشجرة التفاح والتي تُمثل ( الخير والشر ) ، ومعلومٌ أن أرض فلسطين مشهورة بالتفاح وليس بالنخل ، وهذه شطارة تُحتسب للمُقتبس التوراتي ، لكنها تنقلب ضدهُ حين تفشل شطارته عن إخفاء معالم الإقتباس الشهير والكبير هذا ، والذي خدع العالم لمئات ومئات السنين ولحد إكتشاف جذور هذا الإقتباس الذي كشفه لنا ختم أسطواني صغير .
أما الأسطورة الفارسية عن خلق آدم وحواء فتقول : (( أن الإله الكلي القدرة ( أهورا مِزدا ) إله الديانة الزرادشتية خلق ( غايومارت ) وهو الإنسان المُعادل لأدم عند الفرس ، وعاش غايومارت هذا 3000 عام كروح بلا جسد !!!، بعدها تحول إلى شاب وسيم ، وبعد ان عاش لفترة 30 سنة كإنسان قام الشيطان ( أهرمان ) بتسميمهِ وقتلهِ ، وبتحريض من ( جي ) العاهرة !!. ومن بذرة غايومارت نمت كل البشرية من أب وأم ( ماشي وميشان ) واللَذَينِ تركا عبادة ( أهورامِزدا ) وتبعا غواية الشيطان . لِذا حَكَمَ عليهما ( أهورا مِزدا ) بالعذاب الأبدي )) .
وهذا يُذكِرنا بلعنة الرب التوراتية على آدم وحواء والحية ، وكيف طردهم من جنة عدن التوراتية . لأنهم إستسلموا لغواية الحية وأكلوا من تفاح شجرة معرفة الخير والشر ، وكان ذلك دلالة عصيانهم وعدم طاعتهم لأوامر الرب الخالق !. إقتباس واضح جداً .
4 - جذور إقتباس قصة خلق حواء من ضلع آدم
تقول الأسطورة البابلية أن جزيرة ( دِلمون ) تحولت إلى جنة بعد إتحاد الإله ( أنكي ) بالآلِهة الأم الأرض ( نينخورساج ) التي نراها تغضب بشدة من زوجها ( أنكي ) حين يقوم وبدون علمها بأكل ثمانية نباتات كانت قد إستنبتتها ، لهذا تلعنهُ بلعنة الموت : (( إلى أن يوافيك الموت لن أنظر إليك بعين الحياة )) !! .
وبما أن أنكي ( المريض باللعنة ) يُمثل إله المياه .. فهذا يعني لبقية الآلِهة أن المياه ستقل ، ولن تكون مُتدفقة من الإله أنكي كما في السابق ، وأن الأرض ستشرب ما سيتبقى منها ، وسيعم الجفاف والقحط والمجاعة ، لِذا يقوم الآلِهة الكبار على محاولة إقناع ( نينخورساج ) بالعفو عن زوجها أنكي إذ هي الوحيدة القادرة على شفائهِ ، ويقوم الثعلب في النهاية بإقناعها ، وبعدها تقوم ( نينخورساج ) بخلق ثمانية آلِهات لشفاء أمراضه الثمانية والتي واحدة منها الوجع في ضلع صدرهِ !!.
واحدة من تلك الآلِهات الثمانية كانت تُدعى ( نن- تي ) ومعناها ( سيدة الضلع ) ، فالكلمة السومرية ( تي ) تدل على معنى ( الضلع ) في حالة الأسم ، وتُعطي معنى ( الحياة ) في حالة الفعل .
كذلك تعني ( نن- تي ) السيدة التي تُحيي ، لِذا نراها في الأسطورة تقوم بشفاء ضلع الإله المريض أنكي .
من تفاصيل هذه الأسطورة يتم إقتباس الفكرة التوراتية في سفر التكوين ، والتي تقول : (( فأوقع الرب سُباتاً على آدم فنام ، وأخذ الرب واحداً من أضلاعهِ وملآ مكانها لحماً ، وبنى الرب الضلع التي أخذها من آدم إمرأة وقدمها لآدم )) .
حتى الساذج بإمكانهِ التعرف على جذور وأصول هذه الحكاية التوراتية المُقتبسة حين يقرأ الأسطورة البابلية ، ثم لاحظ التقارب الكبير بين ( نن- تي سيدة الضلع ) وهي نفسها ( السيدة التي تحيي ) وبين الإسم التوراتي ( حواء – اُم الأحياء ) !!.
5 - جذور إقتباس قصة الطوفان والنبي نوح
أقتبس لكم هذه القراءة الممتعة من كتاب ( بلاد النهرين ) للكاتب وعالِم السومريات جان بوتيرو : (( وإذا كان الكتاب المقدس - العهد القديم - الذي عُدَّ لمدة طويلة كنتاج فائق الطبيعة ، وكأنه قد حفظ لنا أقدم وثائق البشرية قد فقد هذا الإمتياز الساذج ، فإنما سبب ذلك قد جرى يوم 3 كانون الأول سنة 1872 ، حينما اعلن العالِم والآثاري جورج سمث في لندن إنه قد إكتشف على لوح مسماري رواية للطوفان قريبة جداً من رواية سِفر التكوين في العهد القديم ، بحيث لا يمكن لنا ان ننفي تبعية سِفر التكوين تجاه تلك الرواية في موضوعها وإسلوبها الأدبي )) .
وفي نفس الموضوع يقول العالِم الآثاري الشهير ( صمويل نوح كريمر ) المختص أيضاً بعلم السومريات وبلاد الرافدين في كتابهِ ( الأساطير السومرية ) : (( ان قصة الطوفان التي دونها كتاب التوراة لم تكن أصيلة ، وإنما هي من المبتكرات السومرية التي إقتبسها البابليون من سومر ، ووضعوها في صيغة الطوفان البابلي )) .
هناك العديد من قصص الطوفان في حضارات العالم القديم ، وربما كانت غالبيتها متباينة في تفاصيلها ، لكنها متشابهة في نتائجها ، بسبب إختلاف المكان والزمان والأقوام وذهنية المُقتبس ، لكنها جميعاً من جذر واحد تابع لأول نسخة عالمية لأسطورة الطوفان المكتوبة على اللوح # 11 من ملحمة كلكامش المتكونة من 12 لوحاً .
وكما تقول كل الكتب المُوثقة فهناك قصة طوفان سومرية بطلها ( زيوسودرا ) ، وقصة طوفان بابلية بطلها ( أوتونابشتم ) ، واخرى بطلها ( أتراخاسيس ) ، اما بطل القصة التوراتية فهو ( نوح ) .
في القصة البابلي تقول الرقم الطينية : (( أن الآلِهة قرروا التخلص من البشر !!، لأنهم تكاثروا جداً وبدأ ضجيجهم يزعج الإله أنكي وبقية الآلِهة ، لِذا عقدوا إجتماعاً مهماً لكل الآلِهة الكبار ، وقرروا التخلص من البشر عن طريق إغراقهم بطوفان لا يُبقي منهم أحداً ، وهنا يقوم الإله ( أنليل ) بتسريب معلومة الطوفان لملك دولة سبار ( زيو سودرا ) الذي يقوم ببناء فلك كبير للنجاة من كارثة طوفان الأيام السبعة الرهيبة ، وبعد الطوفان يتمتع ( زيوسودرا ) بالحياة الأبدية مع الآلِهة في جنة دلمون الخالدة ، مكافأة لهُ على إنقاذهِ للجنس البشري .
من كل هذه الأساطير المحيطة يومذاك بالوجود العبري إقتبس كتبة التوراة ومنقحيها قصة نوح وسفينته الشهيرة التي لو كانت حقاً حملت من كل زوجين إثنين لكانت ستكون أكبر من التايتانك بألف مرة وأكثر !!.
كل هذا يقول لنا أن الأسطورة والخرافة يجب أن لا تخرج عن إطارها ومفهومها الميثولوجي لتصبح حقيقة ثابتة مُرسلة من لدن الرب ومطموغة بطمغتهِ المُقدسة !! .
ورغم علمنا بأن القصص والأساطير مبنية على مخيال البشر ، لكنها قد لا تخلو من نتف حقائق تمتزج بالإسطورة ، وكما يقول المثل الشعبي العراقي : ( ماكو نار بلية دخان ) أي : النار لا تخلو من دخان ، وهكذا نجد أن حتى قصة الطوفان نفسها فيها بعض حقائق كما جاء في التقرير عن حفريات العالِم الأثري الإنكليزي ( ليونارد فولي ) الذي إكتشف مدينة ( اُور ) في جنوب العراق ، وهي مدينة سلالات عديدة ومركز عبادة الإله السومري ( القمر- ننا ) :
[ حفر هذا العالِم حفرة في موضع قمامة تجمعت خلال آلاف السنين تحت جدران العاصمة السومرية القديمة ، فوجد على عمق 14 متراً مقبرة للملوك السومريين من حكام بداية الألف الثالثة ق.م ، وكانت المقبرة مليئة بالكنوز الفنية وبقايا الأجساد البشرية . ثم أراد هذا العالِم معرفة ما تحت تلك المقبرة ، وبعد الحفر في المنطقة التي تحتَ المقبرة ، وجدوا طبقة من الطمى النهري بعمق ثلاثة أمتار خالية تماماً من آثار الحياة الإنسانية ، والظاهر أن هذه الطبقة بالذات كانت من نتائج الطوفان التأريخي الرهيب لأرض ما بين الرافدين .
الحسابات ( المثلثية ! ) أوصلت العالِم ( فولي ) لنتيجة مفادها أنه لم يصل بعد للطبقة ( العذراء ) من الأرض ، والتي لم يلمسها إنسانٌ بعد ، لهذا واصلوا حفرهم إلى أن ظهر تحت طبقة الطمى تلك آثار مستوطنات بشرية ( لبن وقذارة وبقايا أوانٍ فخارية ) ، وأثبتت كِسَر الأواني الفخارية تلك أنها تعودُ لحقبة زمنية وحضارة بدائية مختلفة تماماً عن تلك الموجودة فوق طبقة الطمى النهري !!، بمعنى أن طبقة الطمى ذات عمق الثلاثة امتار كانت تفصل بين زمنين ومُجتمعين لا علاقة للواحد منهما بالأخر غير علاقة المكان !!.
ولم يكن هناك غير تفسير واحد : وهو ان طوفاناً رهيباً حدث عبر ليل الزمن وأغرق مستوطنات قديمة وغير معروفة لنا ، وبعد إنتهاء الطوفان وجفاف الأرض أتت شعوب وأقوام اخرى وسكنت بلاد ما بين النهرين ، وكان هؤلاء هم السومريون الذين شكلوا أقدم حضارة مكتوبة في تأريخ الجنس البشري .
وتقول معلومات العلماء ، أنه .. ولكي يتجمع الطمى على إرتفاع حوالي ثلاثة أمتار ، يجب أن يبقى الماء مدة طويلة على إرتفاع لا يقل عن ثمانية أمتار !!، وقد بينت الحسابات العلمية أنه لو وصل إرتفاع الماء لمثل هذا الحد ( 8 أمتار ) لإنغمرت كل الأرض في بلاد ما بين النهرين !!.
إذن فقد وقعت هنا حقاً كارثة نادرة الحدوث في التأريخ ، ورغم ذلك فهذه الكارثة كانت إقليمية وموضعية ، ولكن سكان المنطقة من الناجين ومَن بعدهم ظنوا آنذاك أن الكارثة عَمَت العالم كله وأن الطوفان كان شاملاً بعثه الرب المُقتدر الباطش كعقاب للبشرية بسبب خطاياها !!.
وهكذا أيضاً إنتقلت قصة الطوفان من جيل لآخر ومن زمن لآخر ، إبتداءً من السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين والكلدان إلى أرض كنعان حين تلقفها العبريين فحرفوها وصاغوها بطريقة خدمت أغراضهم واغراض مؤلفي التوراة ومقتبسيه ] .
6 - جذور إقتباس فكرة الجنة
في الأسطورة السومرية التي عُرِفَت بين الباحثين بإسم ( أسطورة أنكي وننخرساج ) ، يتم وصف الجنة على شكل بستان كبيرة للخير والبركة . فمن إتحاد جَسَدَي ( أنكي ) الذي يُمثل المياه ، مع ( ننخرساج ) التي تُمثل التربة - الأرض الأم - يُخصبُ الفردوس السومري ويمتلئ بالورود والأزاهير وعطاء الحقول والبيادر وثمار النباتات التي تحمل الحياة والديمومة للبشر !!، ولهذا فهي أرض الخلود والنعيم والراحة الأبدية . والتي سيعيش فيها البشر مع حيواناتهم بسلام وخير بعيداً عن الشقاء والمعاناة والمرض والحزن والفناء .
الواقع الإنساني الذي لم يتبدل عبر كل العصور يقول لنا وبوضوح تام ، بأن الصورة الفكرة عن الجنة السومرية تعبر عن أحلام كل البشر ومنذُ بداية تواجدهم على الأرض ، ولا يزال نفس الحلم مستمراً في مخيال وأحلام كل البشر . وتقول الأسطورة أن موقع هذه الجنة هو في ( دِلمون ) وحسب رأي العلماء فدلمون هي دولة ( البحرين ) الحالية .
وبإختصار فإن دلمون تقع ضمن عدة جزر وسط بحر الكلدان ( الخليج العربي حالياً ) ، وتقول دراسات البيئة أن مناخ هذه الجزر ( الدلمونية ) كان رطباً غزير الأمطار قبل عشرة آلاف سنة ، وربما هذا أعطاها خاصية ( الدائمة الخصرة ) وقَرَب شكلها للناس إلى فكرة الجنة الوارفة الظلال والنبات والخير .
أقدم وثيقة تأريخبة عُثر عليها لعلاقة وادي الرافدين ( سومر ) مع دلمون كانت مع أحد ملوك سلالة ( لَكِش ) السومرية في حدود سنة 2520 ق.م ، وكانت حول سفن محملة بالأخشاب قادمة من دلمون إلى لكش . وكانت آخر وثيقة عُثر عليها في بلاد النهرين تذكِرُ دِلمون تعود لعام 544 ق.م .
كان الإله ( أنزاك ) هو رئيس آلِهة دلمون ، ومع ذلك فقد ورد إسمه ضمن قائمة آلِهة وادي الرافدين !!، ومن يدري .. فربما كانت بلاد وادي الرافدين تُعير أو تهب أو تؤجر بعض آلِهتها لما يُحيط بها من بلدان أو دول أصغر منها أو تحت سيطرتها !.
وبالنسبة لجنة دلمون فهناك ترتيلة سومرية جميلة تعود لألفين سنة ق.م ، تقول أن أرض دلمون مقدسة باركها ( أنكي ) إله المياه العذبة ، ومنحها الماء بعد طلب من آلِهة دلمون ( نن سيكال ) وبمباركة ( اُوتو ) آله الشمس . وهكذا وصل الماء العذب إلى دلمون ، وتُختتم الترتيلة بهذه الكلمات :
دلمون تشرب الماء الوفير
دلمون تشرب ماء الرخاء ، آبارها ذات الماء المُر ، أنظر !!
تراها وقد صارت مياهها عذبة
حقولها أنتجت الغلة والقمح
دلمون صارت داراً للشواطئ ، ومراسي الأرض
يا أرض دلمون الطاهرة ، المقدسة ، النقية
في دلمون لا ينعق الغراب
ولا الأسد يفترس أحداً
والذئبُ لا يختطف الحمل
والكلب المسعور لا يُهاجم الجدي
والخنزير البري لا يلتهم الزرع
ولا الأرمد يقول : عيني مريضة
ولا المصدوعُ يشكي من صداعهِ
وحيث لا يشتكي النساء والرجال من شيخوختهم
والبشر لا يُواجهون الكوارث التي تُدمر الغلة
وفي دلمون ليس هناك أرملة
وحيث المُنشد لا ينوح
ولا بشر يندب ويعول على أطراف المدينة .
هنا نقرأ أحلام البشر الوردية بأسمى معانيها وأرق عباراتها وقمة إنسانيتها ، هي آهات المظلومين ، وتوجعات المُنكسرين ، وتداعيات الضعفاء المخذولين ، وزفراتُ المسحوقين الموجوعين حياتياً ، وتنهيدة المغلوبين على أمرهم في كل زمانٍ ومكان ، والتي دعتهم لتصوير وتأمل وإنتظار مكان - جنة - في مُخيلتهم ينعمون فيه بالدفئ والأمان والحب والسعادة والراحة الأبدية التي إفتقدوها على الأرض . لِذا .... لا عجب لو تم تصديق وإنتظار هذه الفكرة الحلم - الجنة - !! ولكن العجب أن يتم تحويرها وتهويلها وتقبيحها إلى تفاصيل جنسية جداً كما في جنة الشبق في القرآن ، بحيث خرجوا عن المعقول والمألوف في الفكرة السومرية المتواضعة الأصلية ، وأصبحت جنتهم مدعاة لقتل البشر وتدميرهم ولمجرد أن البعض الجاهل صدقوا بأن من يُجاهد ويَقتُل أكثر في سبيل الله هو الذي يستحق الجنة الذكورية التي أصبح رمزها ( فرج المرأة وعذريتها ) !!!.
أما في الجنة التوراتية المُقتبسة ، فيتبين إنها مزرعة أو حديقة للرب في شرقي عدن ( وعدن في اللغة السومرية تعني الأراضي السهلية الزراعية ، والتي أسكن كتبة التوراة فيها لاحقاً آدم وحواء . والتوراة تفترض أن جنة عدن تقع في جنوب وادي الرافدين ( سومر ) ، وتقول بوجود أربعة أنهار من ضمنها دجلة والفرات ونهرين آخرين وهميين .
والمتتبعين الباحثين وجدوا التشابه الكبير في خصائص وصفات الجنة التوراتية بعد مقارنتها بالجنة السومرية !، حيث في سِفر إشعيا التوراتي مواصفات للجنة مُقتبسة تماماً من الجنة السومرية تتحدث عن الراحة والطمأنينة والسلم ، وتتطرق حتى لأدق التفاصيل السومرية من خلال كلامها عن الحيوانات ، لا بل وتبالغ - كعادتها - بطريقة مُضحكة في تلك التفاصيل حين تقول ( مُختصر ) في سِفر إشعيا 1 : 6 - 10: (( ويسكن الذئب مع الخروف ! ، ويربض النمر مع الجدي والعجل ! ، والأسد يأكل تِبناً كالبقر !!! ، والطفلُ الرضيع يلعب مع الحيات ..الخ ! )) والحق أضحكتني جداً فكرة ذلك الأسد الذي يأكل تبناً كالبقر !!، وهي دلالة على سذاجة وهشاشة المُقتبس التوراتي !.
كذلك نُلاحظ أن الرب في الجنة التوراتية قد زرع شجرة الحياة وسط الجنة ، كذلك زرع شجرة معرفة الخير والشر ، وفي كلا الحكايتين - السومرية والتوراتية - نرى أن عقدة الحكاية ، أو المغزى والمعنى منهما هو الخطيئة البشرية .
وفي كلا الحكايتين يقوم الإله المسؤول بطرد البشر من جنتهِ !، ولكن برأي الكثير من الباحثين والفلاسفة والمُفكرين فإن الخطيئة تلك لا تُشكل سبباُ مُقنعاً للطرد ، ولمجرد أن البشر لم يُطيعوا بعض أوامر الرب ، بل يعتقدون أن السبب الأكبر والرئيسي هو خوف الرب من أن يأكلا أيضاً من ثمار شجرة ( الحياة ) ، وهذا سيخلدهما كما هو الرب مُخلدٌ وسرمدي كما تدعي الأديان وكتبها المقدسة .
وحول ذلك نقرأ في الإصحاح الثالث من سِفر التكوين : (( وقال الرب الإله : ها هو الإنسانُ قد صارَ كواحد مِنا ، عارفاً الخير والشر ، والأن ربما ستمتد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ، وياكل ويحيا إلى الأبد )) .
والغريب هنا – رغم علمنا بأسطرة غالبية التوراة – ، هو أن إله التوراة لا يثق بمخلوقاتهِ !، مما يُعطينا إنطباعاً أنه لم يُحسن صُنعها !!، وهذا مُحتمل ووارد جداً في قصة خيالية من نسج البشر !!.
7 - جذور إقتباس فكرة الترهيب ( الجحيم وجهنم والعقاب )
أطلق السومريون على عالمهم الإفتراضي التحت أرضي أو السفلي تسمية ( أرض اللا عودة ) ، والتسمية بالسومرية هي ( كي توكي ) وفي البابلية ( أرص لاتاري – أرض اللاعودة ) .
كان الإله ( نركال ) هو الإله الرئيسي بين آلِهة العالم السفلي ، والمتحكم في أبوابها السبعة ، وبمرض الطاعون ، وبقوة الشمس الحارقة المُدمرة . وكوكب نركال هو المشتري ، وهناك أسطورة عن ( نركال وزوجتهِ أريشكيجال التي هي شقيقة الألِهة عشتار ) تقول : (( أن الآلِهة الكبار أقاموا وليمة كبيرة دعوا فيها كل الآلهة ، ومن ضمنهم أريشكيجال والتي كانت في البداية هي زعيمة العالم السفلي ( عالم الأموات ) ، لكنها لم تستطع أن تلبية الدعوة كونها تابعة للعالم السفلي فقط ، ولهذا تُرسل وزيرها ( نمتار ) ليمثلها في حضور الوليمة وليجلب حصتها ، والذي عندما دخل إلى قاعة المأدبة قام لهُ إحتراماً كل الآلِهة إلا الإله ( نرجال ) !!.
بعدها تقوم ( أريشكيجال ) بالإحتجاج عند مجمع الآلِهة الكبارعلى تصرف ( نركال ) المُهين ، وتتهددهم بالشر إن لم يسلموه لها !، فيقومون بتسليمه خوفاً من شرورها .
وعند نزول نرجال للعالم السفلي يقوم بمباغتة أريشكيجال ويمددها على الأرض ليقطع رأسها !، وهنا تنهار أريشكيجال وتبكي وتتوسل رحمته وتطلب عفوه وتعده أن تكون زوجته : ( وسأجعلُ لكَ مُلكاً وسُلطاناً على كل العالم السفلي ، وسأضع بين يديكَ ( الواح الحكمة ) ، وأكون إمرأة السيد العظيم نرجال ) . حينئذٍ يرفعها إليهِ ويُقبلها ويمسح دموعها ويتزوجها )) .
ورغم رومانسية الحدث لكنه يُذكرني بالنهايات السعيدة على طريقة الأفلام الهندية والمصرية القديمة .
هناك أكثر من قصة كاربونية ل ( نركال وأريشكيجال ) في حضارات الرافدين والعالم ، وجميعها متقاربة في المضمون حول وجود ما يُسمى بالعالم السفلي ( عالم الموت واللا عودة ) والكائنات التي تدير شؤون ذلك العالم المُرعب !.
وكان السومريون يسمون العالم السفلي أيضاً ب ( أرالو ) وهو من أسماء ( نركال ) إله مثوى الأموات ، وقد صوروا ذلك العالم كمدينة كبيرة - تحت أرضية - مُحاطة بسبعة أسوار ولكل منها باب واحد . ويحكمها الإله نركال وزوجته أريشكيجال ، والتي مثل زوجها تتحكم بالأمراض والشر والموت والطاعون ، ويُساعدهم في تسيير أعمالهم الرهيبة مجموعات من المردة والجن والعفاريت – لم يكن مفهوم الشيطان معروفاً يومذاك - ، ويزعمونَ أن الميت يدخل للعالم السفلي عارياً كما خُلق عارياً ، وأن الريش وألأجنحة ينبتان على جسدهِ كما يحدث لصغار الطيور !!.
ويقولون أن كل الأموات سيبقون إلى الأبد مُمرغين في الأوحال والطين والظلام والبرد والخوف والأمراض والبؤس الأبدي ، وطعامهم سيكون التراب إلى الأبد !!. لوحة كابوسية قبيحة .
وكانوا أيضاً يعتقدون ان الإله نركال يختطف البشر من حياتهم الأرضية وينزل بهم كموتى إلى عالمه الأسفل ليلتهمهم !!، ، وربما أفكار كهذه كانت من صنع كهنة المعابد ، كي يزيد البشر حجم الأضاحي والتقدمات المقدمة للمعابد من أجل أن تحفظ الآلِهة حياة البشر وتُبعدهم عن عالم الموت والعذاب الأبدي ولو إلى حين .
في الأسطورة الفارسية الزرادشتية ، نرى أن ( رِشنو ) هو الحاكم العادل جداً الذي يحكم بالعدل على أرواح البشر بعد موتهم ، وبحسب أعمالهم الأرضية من خير وشر . وبعد الحكم العادل تبقى الروح مع الجسد لمدة ثلاثة أيام وثلاثة ليالي ، وهي الفترة التي يستغرقها إصدار الحكم من قِبل رشنوعلى الأموات . وهذا يذكرنا بموت وقيامة السيد المسيح في ثلاثة أيام .
وهكذا نرى في الطريقة الزرادشتية أنه من كان من أصحاب الخير – حسب نتيجة الحكم - ، كانت تُساعدهُ عذراء شقراء لعبور ( جسر الفراق ) !، والعذراء هنا هي تجسيد لضمير الروح التي تذهب بامان كُلي إلى حيث الضوء والسعادة الأبدية .
أما إذا رجحت كفة الشر في حسابات وميزان ( رشنو ) ، فالروح تجد ( جسر الفراق ) حاداً رفيعاً كحافة الموسى ، فتسقط الروح المُرتعشة نحو الأسفل حيث جهنم ، لتستقبلها هناك عفريتة بشعة شمطاء تُمثل الأعمال السيئة الشريرة للشخص الميت ، وتقوم العفريتة بتسليم روحهِ للشياطين ، ويتم حبس الروح في مكان خاص يسمى ( دروج ) ، وهو هاوية عميقة جداً مظلمة باردة مآساوية التفاصيل ، يعمها البؤس والظلام والشقاء والأوجاع والأنين ، حيث تتعرض
الروح لعذابات أبدية !!.
من مجموعة الكوابيس هذه ، السومرية والبابلية والزرادشتية وغيرها تم إقتباس أفكار عن الجحيم والمصير ألأخير والجنة وجهنم والعقاب والثواب زائداً إسهالات فكرية ساذجة بائسة مُضطربة مشوشة وقلقة لعقول مريضة بالوهم والخرافة والثوابت البلهاء التي صنعها بعض البشر الفاشلين في مضمار الإبداعات الإنسانية النبيلة ، فكان أن عوضوا عنها – للأسف – في إبداعات خزعبلاتية بديلة !!.
نعم ... من هذه التهويمات القديمة إقتبس اليهود والمسيحيين والمسلمين فكرة الجحيم والتفاصيل التابعة له ، مع الكثير من التضخيم والتهويل والمبالغة بحيث أصبح دخول الجنة عسيراً (( كدخول الحبل المتين من خرم الأبرة )) ! حسب تصوير وكلام السيد المسيح نفسه !!. ولسنا ندري ما الغاية من وجود الجنة في المسيحية إذا كان دخولها من عاشر المستحيلات !!؟ ، بينما دخولها من السهولة بمكان في الإسلام بحيث يكفي كونك مسلماً قرأ الشهادتين او إرهابياً فخخ دبرهِ في سوق الخضار !!.
الغاية الرئيسية من فكرة الجحيم لم تكن أبداً للتأثير على الناس في أن يكونوا أحسن من خلال تحجيم ملكة الشر عندهم ، بل كانت لتخويف وترهيب البشر من بسطاء وعبيطي الفكر ، وقسرهم على التصديق والإيمان بالله والديانات البشرية القديمة المنقرضة منها والحديثة التي لازال لها أجنحة ، وكل ذلك لديمومة فئة من الناس أصحاب الوظائف القديمة التي أغنت وتُغني أصحابها لحد اليوم : الكهانة ، وحارقي البخور .
والترهيب كان من أكبر الأسباب الرئيسية في دوام الأديان التوحيدية ، فعلى الناس الطاعة العمياء ( نفذ ولا تُناقش ) وإلا ....... فالرب ( الباطش المنتقم الماكر المُذل المميت القاهر الضار الداينصوري ) سيكون لك بالمرصاد ، لابساً خوذتهِ ودرعهِ ونعالهِ وحاملاً شوكتهِ الثلاثية ليريك ما تعجز عن تصوره مخيلة إنسان من عذابات أبدية !!!!. هذا هو رب الأديان الترهيبية الشرق أوسطية !!!.
النبي محمد في الإسلام أعطى إسم ( مالك ) لملاك أو خازن النار في جهنم !، وهو كبير الخزنة ورئيسهم ، والذي وصفه النبي محمد بأنه ( لا يضحك أبداً ) !!!. وربما منه إقتبس أغلب المؤمنين والسلفيين ورجال الدين المسلمين ذلك التجهم الكريه ، والتقطيبة البوكرية التي يتصورون أنها من سمات ( الوقار والجد والعقلنة والهيبة والرجولة ) !! .
تقول كتب المسلمين أن النبي محمد رأى ( مالك ) خازن النار ليلة الإسراء ، حين زار السماوات السبعة على ظهر دابته ( السوبر ) البراق ، وقال عنهُ : أنه من ملائكة الله المُكرمين !. وقد ورد إسم (مالك ) في القرآن من خلال سورة الزخرف : (( ونادوا : يا مالك ليقض علينا ربك ، قال : إنكم ماكثون )) !!.
ملاحظات :
*خازن الجنة في الإسلام إسمه : رضوان .
*جهنم : من أسماء النار عند العرب ، وسُميت كذلك لبُعد قعرها ، والجهنام : هو القعر البعيد ( كناب : شفاء الغليل ) .
*ورد ذكر جهنم في القرآن ( 77 ) مرة .
حكى لي الصديق مازن عن الصديق عادل عن الصديق فارس عن الصديق فؤاد عن الصديق صلاح ، بأن هناك قصة أو حديث يقول أن النبي محمد كان يتعشى مع الصحابة حين سمع الجميع دوياً هائلاً بعيداً ، فسألوا نبيهم عنهُ فاجاب : هو صوت حجر عظيم سقط منذ الف عام من اعالي فوهة جهنم ولم يصل قعرها إلا اللحظة !!. ونترك لكم التعليق .
*تسمية ( جهنم ) وهي الجحيم عند اليهود تم إستعارتها من ( وادي هِنُّوم ) في القدس ، وهو موضع كانت تُقدم فيه الضحايا البشرية للإله ( ملوخ أو مولِك ) ، وتم إستعمالهِ فيما بعد لحرق قمامة ونفايات مدينة القدس .
*في لُغتنا ( الكلدانية ) المتداولة لحد اليوم بين مسيحيي العراق ، نُسمي جهنم ( كِهانَة ) وتُنطقُ بالكاف المصرية .
8 - جذور إقتباس فكرة ( الشعب المُختار )
يؤكد علماء السومريات على أن السومريين كانوا يعتبرون أنهم مجتمع متميز ومُقدس ومتصل بالآلِهة إتصالاً لم تحظى بهِ بقية الشعوب والمجتمعات ، وربما بسبب عدم وجود مجتمع قريب جغرافياً مُعادل لحضارتهم أو يبزها ويتفوق عليها ، والحالة هذه تجعلهم مُحقين - نوعاً ما - في إعتقادهم هذا .
يقول العالم الآثاري ( صمويل كريمر ) : (( أعتقد أن التربية والأخلاق والطاعة والإنضباط عند السومريين كانت متأثرة جميعها وبعمق بنزعة سايكولوجية تميل لقطب التفوق والسمو والهيبة والشهرة والفخر ، وهذا ما لم يكن عليهِ العبرانيون في وقتٍ متأخر )) . ثم يعقب قائلاً : (( كان السومريون ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ( شعب مختار ) ، قومٌ خاص ومقدس نوعاً ما ، وعلى إتصال بالآلِهة ( الأناناكي ) ، وأكثر خصوصية من الجنس البشري )) .
وربما من هنا إقتبس العبرانيون هذه الفكرة التي قد لا تنطبق عليهم !!.
وممكن تثبيت هذا الإقتباس من خلال فكرتين عرقيتين عنصريتين أصر عليهما الشعب العبراني لحد اليوم !!، وهما
*أولاً : أن الرب عند اليهود يُعتبر رب إسرائيل فقط !، والأدلة كثيرة ومتشعبة في التوراة ، نختار منها : (( في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرم ( ابراهبيم ) ميثاقاً قائلاً : لِنَسْلِكَ اُعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات )) . سِفر التكوين 18- 15 . ونرى القرآن يُردد بببغائيته المعروفة هذا الإعتقاد والذي يُجَيَرُ لحساب اليهود : (( يا بني إسرائيل إذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم ، وإني فضلتكم على العالمين )) . سورة البقرة – 47 .
ومن خلال نفس الإعتبارات ( العرقية والعنصرية ) نرى أنه حتى السيد المسيح - العبري واليهودي الأصل والجذور - تماهى وتعاطف مع الفكرة العرقية العنصرية المتكبرة ، حين رفض مساعدة المرأة الكنعانية - غير اليهودية - والتي نادتهُ متوسلة برحمته : (( إرحمني يا إبن داود ، إبنتي مجنونة جداً . فلم يُجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه منه وطلبوا إليهِ قائلين : ساعدها يا معلم لأنها تصيح وراءنا ، فأجاب : لم اُرسَلْ إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة . فأتت المرأة وسجدت له قائلة : يا سيد أعِنّي ( ساعدني ) ، فأجاب : ليس حسناً أن يؤخذ خبزُ البنين ويُطرح للكلاب . فقالت : صحيحٌ يا سيد .. ولكن حتى الكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها . حينئذٍ قال يسوع لها : يا إمرأة .. عظيمٌ إيمانك ، ليكن لكِ ما تُريدين . فشُفيت إبنتها من تلك الساعة )) . إنجيل متى : إصحاح 15 ، كذلك وردت هذه القصة في إنجيل مرقص : الإصحاح 17 ، الآيات 30 – 24
والسؤال الذي راودني منذ أول مرة قرأتُ فيها هذه القصة قبل سنوات طويلة ، والذي عجز عن تقديم الإجابة المُقنعة المنطقية عليه الكثير من المسيحيين ورجال دينهم هو : ألم يقل السيد المسيح ولأكثر من مرة في الأناجيل الأربعة بأنه جاء من أجل كل العالم ؟ .
*ثانياً : الفكرة العرقية الثانية تَظهر بوضوح ساطع من خلال إدعاء ( كتبة التوراة ) بأن شعب إسرائيل هو (( شعبُ الله المختار )) ، ونرى هنا أن اليهود العبرانيين توسعوا جداً جداً في إقتباسهم لفكرة الشعب المختار السومرية الأصل ، وخرجوا من الحدود المنطقية المقبولة والمعقولة لها ، حين قاموا بفرض عنصريتهم على الكنعانيين بصورة خاصة ، وعلى عموم العالم بصورة عامة ، وبإسم الرب الخالق !!! .
بعد بدعة ( كتبة التوراة ) يأتي دور مُقتبس آخر هو كاتب القرآن ، ليقدم لنا مقولته العنصرية الشهيرة : (( وكنتم خير أمة أُخرجت للناس )) !. ويروح يكحلها بقوله : (( وإني في يوم القيامة لمباهٍ بكم الأمم )) . !!. لكنه لم يذكر للأسف هل سيُباهي بالكمية أم النوعية !؟ .
وللعرب أيضاً أسطورة ( أرض ميعاد ) ، ومختصرها بتصرف : [ أن هود رأى رؤيا تقول له : يا هود لو إنك أو أحد أولادك شممتم رائحة المسك في ناحية من نواحي الأرض ، فكل ما تقطعونهُ من أرضٍ هو لكم ميعاداً إلى أن تبهت رائحة المسك ] ! .
ويقا ل أن يعرب بن قحطان بن هود ضربت خياشيمه رائحة المسك يوماً ، فقال لهُ جده هود : [ أنت ميمونٌ يا يعرب ، أنت أيمن ، أنزل بأرض اليمن فإنها خير وطنٍ لك ] . شوقي عبد الكريم – الفولكلور والأساطير العربية .
كذلك تظهر فكرة الشعب المختار وإنحياز الرب للعبرانيين من خلال قصة ( برج بابل ) ، حين يُبلبل الرب التوراتي ألسن 70 أمة ، لكنه يقوم بالمحافظة فقط على لُغة بني إسرائيل !!!.
وعلى نفس الأنغام التوراتية المتكبرة ، نرى أن النبي محمد يقع في نفس المصيدة العنصرية ، حين يقول في قرآنهِ : (( إنا أنزلناهُ قرآناً عربيا )) ، كذلك يُصرح في نصوصه بأن العربية هي (( لسان أهل الجنة )) !!. والحسنة الوحيدة لنا نحنُ الناطقين باللغة العربية هي إننا قد حصلنا على ضمانة وظيفة (مترجم ) في الجنة !.
مفهوم التفاخر والعرق والرس والقومية واللغة ، تطور لدرجة خطيرة في الأزمنة الحديثة ، مما أدى إلى فكرة ( تدوين التأريخ قومياً ) ، وكان في طليعتهم اليهود العبريين ، كذلك فعل اليونانيون والفرس والعرب وغيرهم ربما . وفي القرن 19 إنتقلت العدوى إلى ألألمان من خلال دعوة ( فيشتة 1814 – 1761 ) ، ومن خلال دعوات أخرى منها دعوة ( فون ترايجكة ) وغيرها ، وكلها تدعو وبقوة إلى تدوين التأريخ الألماني بإسلوب قومي ، وقد تحقق ذلك من خلال دولة ( الرايخ الثالث ) الألمانية النازية ، بعد تولي أدولف هتلر السلطة في المانيا عام 1933 .
يومها أصبحت الفلسفة النازية عقيدة راسخة للدولة والأمة الجرمانية ، وتم التصديق والإعتقاد بأن الرس الجرماني هو الرس الخالق والقائد والمُبدع لأكبر حضارات الأرض ، وأن الأقوام غير الجرمانية وغير الآرية ليست ذات قيمة أو أهمية ، وخالية تماماً من الإبداع ، وإن كل ما أنتجتهُ بقية الشعوب ( الواطئة ) هو تقليد وإقتباس ومحاكاة للشعوب الجرمانية الآرية العبقرية المُبدعة !!.
وهكذا تم - بأمر هتلر - إعادة كتابة تأريخ العالم !، ووضع الجرمان واليونان واللاتين في مقدمة شعوب وقوميات الأرض ، مع إعطائهم ريادة الحضارة العالمية ، والزعم بأن شعوب الشرق إنما أخذوا حضاراتهم من حضارات الجرمان والرومان واللاتين الذين قام العالم على عبقريتهم !!.
يقال أيضاً أن هتلر كان قد صنف وسلسل رقي شعوب العالم في قائمة خاصة كان اليهود والعرب والزنوج والقردة يحتلون أسفلها !!. والحق إنني بحثتُ عن هذه القائمة طويلاً ، ولم أتوصل لها ، ويا حبذا لو أسعفنا أحد القراء بمصادر عن هذه القائمة الهتلرية ، فيما لو كانت حقيقة .
الخاتمة وتداعي أحجار لعبة الدامِنو
في حديث للنبي محمد : (( إن الله تعالى خلق آدم بيدهِ ، وخلق جنة عدن بيدهِ ، وكتب التوراة بيدهِ )) . كذلك نقرأ إعتراف النبي محمد بمن قبله من الأنبياء ، ولمجرد أن يُثبت نبوته ، في قوله : (( مُصدقاً لما بين يديَ من التوراة والإنجيل )) .
كذلك كلنا يعرف مدى إعتراف السيد المسيح بالتوراة وكل ما جاء فيها من خلال تورطه ووقوعهِ في فخ الأديان الذي لن يسلم منه نبي ، في إعترافه العلني : (( لا تظنوا إني جئتُ لأنقض الناموس ، أو الأنبياء ، ما جئتُ لأنقض ، بل لأكمل )) . المسيح – إنجيل متى 17- 5 . علماً بأن الناموس يعني : كل شرائع النبي موسى !!. ولما كانت شرائع موسى مُقتبسة ومسروقة وليس بها رائحةُ أي خالق أو رب أو مُقدس ، فماذا جاء ( ليكمل ) السيد المسيح يا ترى !!؟
وهنا نجد أن سقوط الدين الذي تعكزت عليهِ بقية الأديان ، يجعل تلك الأديان تتساقط بصورة تراتبية كأحجار الدامينو ، الواحدة بعد الأخرى !، لأنها بُنيت بنفس الطريقة ، الواحدة مُعتمدة على فكرة الأخرى .
يقول مارك توين : [ من السهولة أن تجعل الناس يُصدقون كذبة ، ومن الصعوبة إزالة تأثيرها عليهم ] .
المجد للإنسان .
الحكيم البابلي == أواسط آب 2011
======
أدناه فيديو مُصور أنصح كل القراء بمشاهدتهِ وبجزئيهِ الأول والثاني ، عنوانه ( تأريخ الله ) للكاتبة : كارين أرمسترونغ . )
الجزء الأول
http://www.youtube.com/watch?v=4vHJIxhL8RY
الجزء الثاني
http://www.youtube.com/watch?v=zJkkfP_ijXE
الكاتب: الحكيم البابلي
المصدر: الحوار المتمدن
المصادر التي إعتمد عليها المقال :
ملحمة كلكامش .... طه باقر .
مُقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ... طه باقر .
جولة في أقاليم اللغة والأسطورة ... علي الشوك .
الأساطير بين المعتقدات القديمة والتوراة ... علي الشوك .
الأسطورة والتراث .... سيد القمني .
قاموس أساطير العالم .... آرثر كورتل .
الفولكلور والأساطير العربية ... شوقي عبد الكريم .
بلاد الرافدين .... جان بوتيرو .
دراسة في الأسطورة ...., فراس السواح .
أساطير من بلاد ما بين النهرين ...... ستيفاني دالي .
كِتاب العهد القديم ( التوراة ) كان قد تم إعتباره - ولقرون عديدة - كتاباً مُقدساً أوحاهُ أو الهمهُ الرب للعبرانيين ، ومما ساعد على في تصديق الناس بهِ ، هو أن الزمن والحروب الطاحنة والخراب والنسيان والتراب غمروا وإلتهموا كل الحضارات الرافدية والمصرية والكنعانية القديمة حسب حتمية : ( أقوام وشعوب سادت ثم بادت ) !. ولكن فك رموز الكتابة الهيروغليفية ( المصرية ) وبعدها بزمن قصير رموز الكتابة ( المسمارية ) ثم الأكدية والبابلية والآشورية والكنعانية والفينيقية ، سلط مئات الأضواء الكشافة على زيف التوراة و إدعائها لما ليس لها !!. وفي هذا يقول سيد القمني في كتابهِ ( قصة الخلق ) : [ هناك إشكالية كبرى عن كون اليهود قد جعلوا جماعتهم وأربابهم قطب الدائرة في التوراة ، فنسبوا بطولات الملاحم إلى آبائهم الأوائل أحياناً ، أو نسبوا أبطال أساطير شعوب أخرى إلى أنفسهم ، وإدعوا النسب السلالي إليهم أحياناً أخرى ، فكانت النتيجة : مزيجاً هجيناً من ثقافات شتى ، تعود إلى الراسب الثقافي لمجموعة كبرى من شعوب المنطقة ، تلاقحت جميعاً على صفحات الكتاب المقدس ، ولعب فيها اليهود دور البطولة المُطلقة ] .
والظاهر أن العبرانيين ، وهم في أصولهم أشباه بدو ، كانوا قد أعجبوا لحد الوله والتقليد الأعمى بالحضارات العريقة ( الأصلية ) المتناثرة حولهم كالنجوم الساطعة في ليل بدائيتهم ، لِذا قاموا بنسخها وإقتباسها وتقليدها وتحويرها قدر الإمكان ، لكنهم لم يكونوا موهوبين حتى في ذلك ، لهذا نراهم يرتكبون الأغلاط الكثيرة التي أضحكت العلماء الباحثين المُدققين في الإكتشافات العملاقة لحفريات ونبش ما تحت تربة بلاد الرافدين ومصر والشام ، والتي أزاحت غبار مئات السنين عن الآثار والألواح والرقم الطينية المفخورة ، ومن خلال كل ذلك تم أيضاً إثبات أن التوراة لم تكن أول نص مكتوب كما كانوا يزعمون !!.
ويومها ضج كل العالم المتحضر ، وتحديداً مؤدلجي الفكر الديني والقومي والعنصري ، والحرس القديم من مُمثلي الرب على الأرض ، والذين رفضوا التصديق والقبول بأن جذور ومصادر أديانهم المُقدسة ، هي في أصلها أساطير وخرافات وأديان أقوام قديمة مُبدعة خلقَت وتعاملت مع هكذا فكر وممارسات لتفسير العالم الغامض الذي كان يُحيطها بلا أدريته من كل جانب .
كذلك إكتشفوا بأن كِتابة التوراة لم تكن عملاً قام بهِ النبي موسى لوحدهِ كما كان يُعتقَد ، بل شارك في حَبكِه ونسج لحمته وسداه - بعد إقتباسهِ - عشرات الكُتاب العبرانيين ، وفي أماكن متباعدة جغرافياً ، وعبر أزمنة مُختلفة جداً تُقدَر بألف عام بين أول وآخِر مُقتبس !!. وفي هذا يقول الأب سهيل قاشا في كتابهِ - أثر الكتابات البابلية في المُدونات التوراتية : [ التوراة ليست كتاباً واحداً ، بل سلسلة من الكتب ، كتبها عدد من الكتاب في أزمنة مُتباينة ، وإنها لا تقتصر على موضوع واحد أيضاً ] .
أما العالِم د. طه باقر فيقول في كتابهِ ( مُقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ) : [ ومما يُقال عن بقاء اليهود في بلاد بابل – بعد السبي البابلي الثاني والذي تم فيه تدمير أورشليم ودك معالم هيكل سليمان – وما تركهُ من تأثيرات كبيرة في الديانة العبرانية وفي تطور معتقداتها الأساسية بحيث يصح القول ان هذه الديانة بوصفها ديانة مُوحِدة مع نضج فكرة الوحدانية فيها ، إنما نمت في أثناء بقاء اليهود في بلاد بابل ، كما بدأ فيها جمع أسفار التوراة وتدوينها ما بين القرنين الخامس والسادس ق.م ، ودُوِنَ التلمود البابلي الشهير في القرنين الخامس والسادس الميلاديين ، هذا بالإضافة إلى ما أخذهُ اليهود من آداب حضارة وادي الرافدين ومعارفها وأساطيرها وقصصها ] .
كذلك يقول صمويل نوح كريمر ، وهو من علماء السومريات أيضاً : [ فقبل أن يُدون العبرانيون توراتهم ، والإغريق الياذتهم وأوديستهم بألف عام ، نجد في بلاد سومر أدباً غنياً ناضجاً يتضمن الأساطير وقصص الملامح والتراتيل والمراثي ، ومجموعات من الأمثال والخرافات والرسائل والمقالات والمناظرات ] .
أدناه ( بعض ) الإقتباسات التوراتية ، وهي الأهم والأكبر من ضمن المئات منها . أغلبها ليس بالجديد على القارئ القديم ، لكنها قد تكون مُختلفة في طريقة تقديمها وعرضها وربط حوادثها وتنسيقها والتعليق عليها ، والعقل وليُ التوفيق .
1 - جذور إقتباس قصة الخلق والتكوين
كتصرف طبيعي غريزي وبديهي لمَلَكَة العقل عند الإنسان ، نراهُ يحاول منذ البدء تفسير ما حوله من موجودات وكائنات ومعميات وعوالم ، كتصدي لِما لَم يكن يعرف أو يفهم من أسرار لجود العالم ووجوده هو وموتهِ ، وكان من ضمن تفسيراتهِ وقناعاتاتهِ ما وَصَلنا من قصص الخلق والتكوين . وأول وثيقة لقصة الخلق والتكوين وصلتنا من بلاد الرافدين تعود لحوالي 3000 سنة ق.م ، وملخصها هو : (( في البدء كانت الإلهة ( نمو ) لوحدها ، وهي المياه الأولى التي إنبثق منها كل شيء ، ثم أنجبت ولداً ذكراً ( آن ) إله السماء ، وأنثى ( كي ) آلِهة الأرض ، وكانا ملتصقين ببعضهما وغير منفصلين عن أمهما نمو ، وحدث آن تزوج ( أن ) من أخته ( كي ) وأنجبا إله الهواء ( أنليل ) والذي بقوته الجسدية حرر إلتصاق أمه وأبوه عن بعضهما فصار ابوه السماء وأمه صارت الأرض ، ثم أنجب أنليل ( نانا ) إله القمر ، والذي بدوره أنجب ( أوتو ) إله الشمس ، ... الخ )) .
ثم تبعتها قصص بابلية مُقتبسة منها في حوالي 2000 ق.م ، كان آخرها وأضبطها ملحمة الخلق البابلية المسماة ( إينوما إيليش – عندما في الأعالي ) ، وتُمثل الشكل النهائي لتلك الملحمة .
الإختلاف في كل تلك القصص كان جزئيا جداً لا يتعدى كونهِ إختلافاً في تسمية الآلِهة مع تغير بعض التفاصيل الهامشية ، وهي إختلافات حتمتها سلطة وقوة المتغيرات السياسية والحربية والإجتماعية للمدن والدول والحكام ، وكمثال : نجد أن الإله ( أنليل ) وهو الإله الخالق عند الأقوام السومرية ، يأخذُ إسم الإله ( مردوخ ) عند البابليين بعد أن إقتبسوا الفكرة من السومريين ، كذلك نُلاحظ تغيير الإله ( أنكي ) بالإله ( أيا ) .
كذلك نُلاحظ أن الآشوريين وبعد أن إقتبسوا قصة الخلق ( إينوما إيليش ) من البابليين يقومون عمداً على كشط إسم الإله ( مردوخ ) عن الكثير من الرُقم الطينية التي كانت من ضمن غنائم الحروب العديدة بين هذين الشعبين ، [ ويعيدون نسخ بعضها الآخر ويضعون إسم إلههم ( آشور ) بدلاً من الإله البابلي ( مردوخ ) ، مع إعطائهِ كل صفات الإله مردوخ !!، لكن عملهم لم يكن مُتقناً ، فقد بقي في هذه الكتابة ما ينم عن وجود مردوخ ] . إقتباس بتصرف من كتاب ( أثر الكتابات البابلية في المدونات التوراتية - الأب سهيل قاشا ) .
ومن الجدير بالذكر أنه تم إكتشاف الواح ( الإينوما إيليش ) في مكتبة الملك ( آشور بانيبال ) ، وتم أيضاً توثيق أصلها البابلي وليس الآشوري والذي يقول أنها كُتبت في حوالي سنة 1750 ق.م في بابل ، والظاهر إن إكتشافها في مكتبة آشور بانيبال كان لكونها من غنائم الحرب السجال بين الآشوريين والبابليين ، والتي إنتهت بتدمير البابليين لنينوى وآشور نهائياً في سنة 612 ق.م ، وبعدها بفترة قصيرة هوت بابل ودُمِرَت إلى الأبد على أيدي الفرس وقائدهم كورش سنة 539 ق.م ، وبمساعدة وخيانة يهود بابل الذي كانوا من نسل السبي البابلي الأول والثاني لأورشليم !
تُحدِثنا ملحمة ( الأينوما إيليش – عندما في الأعالي ) عن انه لم يكن موجوداً في بداية الزمن إلا الماء الأزلي الشاسع ، والفوضى (( بحر أول فوضى في الكون )) ، إختلط فيهِ الماء العذب ( إبسو ) بالماء المالح ( تيامات ) !.
ومن تلك الفوضى الرهيبة خُلقت أوائل الآلهة ، ومع مرور الوقت قرر بعضها تنظيم العالم ، فأدى ذلك إلى غضب الإله ( إبسو ) وزجتهِ ( تيامات ) ربة ورمز الفوضى العظيمة ، وكانت اُنثى شريرة ومُشاغبة وعلى شكل تنين لهُ سبعة رؤوس .
وتقول بقية الأسطورة أنه إتحد المتمردون تحتَ راية وقيادة الإله الحكيم ( إيا ) وقتلوا الإله ( إسبسو ) ، فقررت الإلهة ( تيامات ) الإنتقام لمقتل زوجها . وتقع معركة دموية رهيبة إنتصرت فيها آلِهة النظام تحت قيادة الإله ( مردوخ ) الذي قتل ( تيامات ) وخلص العاَلم من شرورها وأذاها ، وشطر جسدها المائي شطرين (( كما تُفلقُ الصدفة ))، وصنع منهما السماء والأرض ، ثم يتم خلق النبات والحيوان والشمس والقمر وإلإنسان والحياة ... الخ .
أما قصة الخلق التوراتية فتقول لنا - مُختصر - : أن الرب العبراني بعد أن قضى على فوضى الماء ( الغمر المائي ) الذي كان أول موجودات الوجود كمحيط أزلي مظلم صَوَرَتهُ التوراة كوحش خرافي عظيم أسمتهُ ( الواياثان ) ، وهو التنين ذو الرؤوس المتعددة ، والذي يقوم رب التوراة بشقه نصفين ليصنع منهما السماء والأرض !. وقد إستمرت عملية الخلق هذه ستة ايام إستراح بعدها الرب من عناء عملهِ في اليوم السابع وجلس على العرش ! .
في سفر التكوين نقرأ كذلك : (( وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة ، وروح الله يرف على وجه المياه ، وقال الله : ليكن جلد في وسط المياه ، وليكن فاصلاً بين مياه ومياه ، فعمل الله الجلد ، وفصل بين المياه التي تحت الجلد والتي فوق الجلد ، وكان كذلك ، ودعا الله الجلد سماء ... الخ )) .
في القرآن نجد سورة هود آية 6 : (( وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وكان عرشه على الماء )) . كذلك يقول القرآن : (( أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما )) .
من خلال كل ما تقدم نعرف بأن التوراة – وهي اُم الديانات التوحيدية – قد بنت أولى أفكارها حول الخلق والتكوين على أساطير سومر وبابل وبالذات على ملحمة الخلق ( إينوما إيليش – عندما في الأعالي ) !!!، والبقية تأتي .
2 – جذور إقتباس فكرة خلق الإنسان من التراب وعلى صورة الخالق
الكثير من أساطير الشعوب تحوي قصصاً مُشابهة لخلق الإنسان من الطين ، منها البابلية بواسطة الإله ( مردوخ ) ، المصرية بواسطة الإله ( خنوم ) ، الإغريقية بواسطة الإله ( برو ميثيوس ) ، العبرانية اليهودية بواسطة الإله ( يهوة أو إيلوهيم ) ، وغيرها الكثير من القصص والأساطير لأقوام وشعوب العالم .
وكل هذه الأساطير مصدرها واحد : سومري رافدي ، والأصل موجود في مقطع من الأسطورة السومرية ، حيث يقول الإله ( أنكي ) لأمهِ ( نمو ) :
إمزجي لب الطين بمياه الأعماق
وسيقوم الُناع الإلهيون المَهرَة ، بتكثيف الطين وعجنهِ
وقومي أنتِ يا أُماه ، ببناءِ الأعضاء والجوارح
وستعملُ معكِ ننماخ – الآلِهة الأم – يداً بيد
وستقف جنبك لمساعدتك أثناء التكوين ، كل ربات الولادة
ولسوفَ تختارين للمولود الجديد يا اُماه ، مصيره
وستُعَلِقُ ننماخ عليهِ شكل وصورة الآلِهة
إنه الإنسان
ونرى بأن هذا المقطع من الأسطورة يقول لنا بأن الإنسان صُنع من التراب ( الطين ) ، وعلى هيئة وصورة الآلِهة ، وأن مصائر البشر مُقدرة ومكتوبة منذ لحظة خلقهِ ، وهو إقتباس آخر كان يسميهِ السومريون ( الواح القدر ) ، وفي لغاتنا العربية يُعرف ب ( المكتوب على الجبين تشوفو العين ) ، و( القسمة والنصيب ) ( والمُقدر والمكتوب ) ، وغيرهما الكثير .
وكمحاكاة لهذه الأسطورة تذكر التوراة في سفر التكوين 1: 26-27 : (( قال الله : لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا ، فخلق الله الإنسان على صورتهِ ، على صورة الله خلق البشر ، ذكراً وأنثى خلقهم ، وباركهم الله ... )) . كذلك نجد في سفر التكوين 3 - 19 : (( ....... حتى تعود إلى الأرض ، لأنك منها اُخِذتَ ، وأنتَ تراب وإلى التراب تعود )) .
أما القرآن فيقول : (( وخلقنا الإنسان من علقْ )) ، وفي آية الأنعام : (( هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجلٌ مسمى عنده ثم أنتم تَمتَرون )) . كذلك في القرآن : (( وخلقنا الإنسان من صلصالٍ كالفخار )) . ونقرأ في كتاب ( العين ) للخليل بن أحمد الفراهيدي قوله : (( وخُلِقَ آدم من طين ، ومكث في الشمس أربعين يوماً ، حتى صارَ صلصالاً )) .
في الأسطورة السومرية نرى أن الغرض الرئيسي من خلق الإنسان هو لعبادة وخدمة الآلِهة ، عن طريق تزويدها بالطعام والشراب والمسكن وكل ما تحتاج . لكي تُعطى تلك الآلِهة - صغارها وكبارها – الفرصة للقيام بأعمالها الربانية بصورة منتظمة ، وقصة خلق الإنسان السومرية تبدأ من مشكلة إجتماعية حدثت بين فئتين من مجمع الآلِهة : ( الأناناكي ) وهم رؤساء الآلِهة ، و( الإيكيكي ) وهم آلِهة من الدرجة الثانية أقل منزلةً وشأناً ، وكانوا يُمثلون الشغيلة المُسخرين للعمل المُرهِق جداً لخدمة الآلِهة الكبار الأناناكي .
ويحدث أن كثرة العمل والضغط يُولد ضغوط تؤدي لثورة الإيكيكي الذين يُضربون عن العمل ويقومون بإحراق وتدمير أدوات العمل وعدتهِ ، ويذهبون ليحتجوا على سوء وبؤس أوضاعهم عند كبير الآلِهة ( إنليل ) ، ويبدو أنه كان يقوم بدور المهندس أو المشرف ، أُسطة أو فورمن أو مانِجَر أو ربما باش مهندس .. شيئ من هذا القبيل .
والمفهوم من سياق أحداث الأسطورة أن إضراباً كهذا سيؤدي إلى مجاعة وشقاء ودمار !!، فالآلِهة الكبيرة لا تعمل حتى لو جاعت ، يعني نوع من ( تنابلة السلطان ) !!، ولهذا نراهم يعقدون إجتماعاً طارئاً لمجمع الآلِهة ، وعلى رأسهم الإله ( أنو ) والإله ( أيا ) وهو الإله الصاحي الذكي الدقيق والمُبتكر ( هذه صفاته ) ، والذي يقترح خلق بديل للآلِهة الصغار ( الإيكيكي ) ، ولكن بشروط منها : أن يكون البديل الإنساني موهوباً وحاذقاً وذكياً كما هي الآلِهة ، ويُشترط على البديل أيضاً عدم الإعتراض والتذمر والإضراب ، لأن ذلك سيُعرض عالَم الآلِهة الكبار والصغار للخطر ، والشرط الثالث أن يُعطى هذا البديل حياة قصيرة ولا ينال الخلود المُخصص فقط للآلِهة !!!.
وأعتقد هذه الشروط التعسفية لا زالت مفروضة على البشر لحد اليوم . وكلنا يعرف إنها من صنع الكهنة المستفيدين دائماً وأبداً عبر كل العصور .
ولا يفوتنا في قصة خلق الإنسان هذه أن مجمع الآلِهة قام بقتل إله قاصر ( أويل – إله العقل ) ومزجوا دمه مع الطين لإعطاء المخلوق الجديد ميزة العقل التي ستساعدهُ في القيام بأعمالهِ اليومية !!.
ونرى أيضاً أن واحدة من أسباب خلق الإنسان هي لعبادة تلك الآلِهة ، وحتى هذه الفكرة تم إقتباسها ، وتأتي على لسان النبي محمد : (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون )) ، ومنها نفهم الإصرار الإسلامي على أن الفكرة الأساسية لخلق البشر هي لعبادة الله ، وكل ما عدى ذلك أمورٌ تافهة وثانوية .
وفي التوراة : (( .... ذكراً وأنثى خلقهم ، وباركهم الله ، وقال لهم : إثمروا وإكثروا وإملأوا الأرض )) ، ومن هذه الفقرة التوراتية إقتبس النبي محمد كلامه : (( تناكحوا تناسلوا تكاثروا إني مباهٍ بكم الأمم في يومِ القيامة )) !!، والحق .. لا أعرف إن كان سيُباهي بالنوعية أم الكمية !؟ .
وكما في الأسطورة السومرية إقتبست الأديان التوحيدية فكرة مُطالبة الإنسان المسكين أن يكون عبداً حقيراً ذليلاً للخالق المزعوم ، بل هي تُشدد على ذلك ، وتتهدد الإنسان بأفضع العقوبات الدنيوية والأخروية فيما لو فكر أو شرع في عدم الطاعة ، وتُذكره كل يوم وكل ساعة بما ينتظرهُ في الجحيم وجهنم وبئس المصير .
3- جذور إقتباس قصة الخطيئة الأولى – آدم وحواء
وجد المنقبون وعلماء الآثار في العراق نقشاً سومرياً على شكل ( ختم أسطواني ) ، يُصَوِر رجلاً على رأسهِ قلنسوة أو قرنين ، وإمرأة حاسرة الرأس ، وهم في حالة جلوس فوق كرسيين متقابلين وبينهما شجرة نخل ، وكلاهما ماداً يده نحو عذق التمر الذي يُقابلهُ ، والمتدلي من النخلة ، كذلك تظهر الحية منتصبة وقوفاً خلف المرأة !!.
وحتى بدون أن يرى بعضكم صورة هذا النقش ، فبماذا توحي لكم هذه الصورة الحجة ؟
كل ما فعلهُ المُقتبس التوراتي هو أنه أعطى للشخصين الآدميين أسماءً ( آدم وحواء ) ، وإستبدل النخلة وعذقي التمر بشجرة التفاح والتي تُمثل ( الخير والشر ) ، ومعلومٌ أن أرض فلسطين مشهورة بالتفاح وليس بالنخل ، وهذه شطارة تُحتسب للمُقتبس التوراتي ، لكنها تنقلب ضدهُ حين تفشل شطارته عن إخفاء معالم الإقتباس الشهير والكبير هذا ، والذي خدع العالم لمئات ومئات السنين ولحد إكتشاف جذور هذا الإقتباس الذي كشفه لنا ختم أسطواني صغير .
أما الأسطورة الفارسية عن خلق آدم وحواء فتقول : (( أن الإله الكلي القدرة ( أهورا مِزدا ) إله الديانة الزرادشتية خلق ( غايومارت ) وهو الإنسان المُعادل لأدم عند الفرس ، وعاش غايومارت هذا 3000 عام كروح بلا جسد !!!، بعدها تحول إلى شاب وسيم ، وبعد ان عاش لفترة 30 سنة كإنسان قام الشيطان ( أهرمان ) بتسميمهِ وقتلهِ ، وبتحريض من ( جي ) العاهرة !!. ومن بذرة غايومارت نمت كل البشرية من أب وأم ( ماشي وميشان ) واللَذَينِ تركا عبادة ( أهورامِزدا ) وتبعا غواية الشيطان . لِذا حَكَمَ عليهما ( أهورا مِزدا ) بالعذاب الأبدي )) .
وهذا يُذكِرنا بلعنة الرب التوراتية على آدم وحواء والحية ، وكيف طردهم من جنة عدن التوراتية . لأنهم إستسلموا لغواية الحية وأكلوا من تفاح شجرة معرفة الخير والشر ، وكان ذلك دلالة عصيانهم وعدم طاعتهم لأوامر الرب الخالق !. إقتباس واضح جداً .
4 - جذور إقتباس قصة خلق حواء من ضلع آدم
تقول الأسطورة البابلية أن جزيرة ( دِلمون ) تحولت إلى جنة بعد إتحاد الإله ( أنكي ) بالآلِهة الأم الأرض ( نينخورساج ) التي نراها تغضب بشدة من زوجها ( أنكي ) حين يقوم وبدون علمها بأكل ثمانية نباتات كانت قد إستنبتتها ، لهذا تلعنهُ بلعنة الموت : (( إلى أن يوافيك الموت لن أنظر إليك بعين الحياة )) !! .
وبما أن أنكي ( المريض باللعنة ) يُمثل إله المياه .. فهذا يعني لبقية الآلِهة أن المياه ستقل ، ولن تكون مُتدفقة من الإله أنكي كما في السابق ، وأن الأرض ستشرب ما سيتبقى منها ، وسيعم الجفاف والقحط والمجاعة ، لِذا يقوم الآلِهة الكبار على محاولة إقناع ( نينخورساج ) بالعفو عن زوجها أنكي إذ هي الوحيدة القادرة على شفائهِ ، ويقوم الثعلب في النهاية بإقناعها ، وبعدها تقوم ( نينخورساج ) بخلق ثمانية آلِهات لشفاء أمراضه الثمانية والتي واحدة منها الوجع في ضلع صدرهِ !!.
واحدة من تلك الآلِهات الثمانية كانت تُدعى ( نن- تي ) ومعناها ( سيدة الضلع ) ، فالكلمة السومرية ( تي ) تدل على معنى ( الضلع ) في حالة الأسم ، وتُعطي معنى ( الحياة ) في حالة الفعل .
كذلك تعني ( نن- تي ) السيدة التي تُحيي ، لِذا نراها في الأسطورة تقوم بشفاء ضلع الإله المريض أنكي .
من تفاصيل هذه الأسطورة يتم إقتباس الفكرة التوراتية في سفر التكوين ، والتي تقول : (( فأوقع الرب سُباتاً على آدم فنام ، وأخذ الرب واحداً من أضلاعهِ وملآ مكانها لحماً ، وبنى الرب الضلع التي أخذها من آدم إمرأة وقدمها لآدم )) .
حتى الساذج بإمكانهِ التعرف على جذور وأصول هذه الحكاية التوراتية المُقتبسة حين يقرأ الأسطورة البابلية ، ثم لاحظ التقارب الكبير بين ( نن- تي سيدة الضلع ) وهي نفسها ( السيدة التي تحيي ) وبين الإسم التوراتي ( حواء – اُم الأحياء ) !!.
5 - جذور إقتباس قصة الطوفان والنبي نوح
أقتبس لكم هذه القراءة الممتعة من كتاب ( بلاد النهرين ) للكاتب وعالِم السومريات جان بوتيرو : (( وإذا كان الكتاب المقدس - العهد القديم - الذي عُدَّ لمدة طويلة كنتاج فائق الطبيعة ، وكأنه قد حفظ لنا أقدم وثائق البشرية قد فقد هذا الإمتياز الساذج ، فإنما سبب ذلك قد جرى يوم 3 كانون الأول سنة 1872 ، حينما اعلن العالِم والآثاري جورج سمث في لندن إنه قد إكتشف على لوح مسماري رواية للطوفان قريبة جداً من رواية سِفر التكوين في العهد القديم ، بحيث لا يمكن لنا ان ننفي تبعية سِفر التكوين تجاه تلك الرواية في موضوعها وإسلوبها الأدبي )) .
وفي نفس الموضوع يقول العالِم الآثاري الشهير ( صمويل نوح كريمر ) المختص أيضاً بعلم السومريات وبلاد الرافدين في كتابهِ ( الأساطير السومرية ) : (( ان قصة الطوفان التي دونها كتاب التوراة لم تكن أصيلة ، وإنما هي من المبتكرات السومرية التي إقتبسها البابليون من سومر ، ووضعوها في صيغة الطوفان البابلي )) .
هناك العديد من قصص الطوفان في حضارات العالم القديم ، وربما كانت غالبيتها متباينة في تفاصيلها ، لكنها متشابهة في نتائجها ، بسبب إختلاف المكان والزمان والأقوام وذهنية المُقتبس ، لكنها جميعاً من جذر واحد تابع لأول نسخة عالمية لأسطورة الطوفان المكتوبة على اللوح # 11 من ملحمة كلكامش المتكونة من 12 لوحاً .
وكما تقول كل الكتب المُوثقة فهناك قصة طوفان سومرية بطلها ( زيوسودرا ) ، وقصة طوفان بابلية بطلها ( أوتونابشتم ) ، واخرى بطلها ( أتراخاسيس ) ، اما بطل القصة التوراتية فهو ( نوح ) .
في القصة البابلي تقول الرقم الطينية : (( أن الآلِهة قرروا التخلص من البشر !!، لأنهم تكاثروا جداً وبدأ ضجيجهم يزعج الإله أنكي وبقية الآلِهة ، لِذا عقدوا إجتماعاً مهماً لكل الآلِهة الكبار ، وقرروا التخلص من البشر عن طريق إغراقهم بطوفان لا يُبقي منهم أحداً ، وهنا يقوم الإله ( أنليل ) بتسريب معلومة الطوفان لملك دولة سبار ( زيو سودرا ) الذي يقوم ببناء فلك كبير للنجاة من كارثة طوفان الأيام السبعة الرهيبة ، وبعد الطوفان يتمتع ( زيوسودرا ) بالحياة الأبدية مع الآلِهة في جنة دلمون الخالدة ، مكافأة لهُ على إنقاذهِ للجنس البشري .
من كل هذه الأساطير المحيطة يومذاك بالوجود العبري إقتبس كتبة التوراة ومنقحيها قصة نوح وسفينته الشهيرة التي لو كانت حقاً حملت من كل زوجين إثنين لكانت ستكون أكبر من التايتانك بألف مرة وأكثر !!.
كل هذا يقول لنا أن الأسطورة والخرافة يجب أن لا تخرج عن إطارها ومفهومها الميثولوجي لتصبح حقيقة ثابتة مُرسلة من لدن الرب ومطموغة بطمغتهِ المُقدسة !! .
ورغم علمنا بأن القصص والأساطير مبنية على مخيال البشر ، لكنها قد لا تخلو من نتف حقائق تمتزج بالإسطورة ، وكما يقول المثل الشعبي العراقي : ( ماكو نار بلية دخان ) أي : النار لا تخلو من دخان ، وهكذا نجد أن حتى قصة الطوفان نفسها فيها بعض حقائق كما جاء في التقرير عن حفريات العالِم الأثري الإنكليزي ( ليونارد فولي ) الذي إكتشف مدينة ( اُور ) في جنوب العراق ، وهي مدينة سلالات عديدة ومركز عبادة الإله السومري ( القمر- ننا ) :
[ حفر هذا العالِم حفرة في موضع قمامة تجمعت خلال آلاف السنين تحت جدران العاصمة السومرية القديمة ، فوجد على عمق 14 متراً مقبرة للملوك السومريين من حكام بداية الألف الثالثة ق.م ، وكانت المقبرة مليئة بالكنوز الفنية وبقايا الأجساد البشرية . ثم أراد هذا العالِم معرفة ما تحت تلك المقبرة ، وبعد الحفر في المنطقة التي تحتَ المقبرة ، وجدوا طبقة من الطمى النهري بعمق ثلاثة أمتار خالية تماماً من آثار الحياة الإنسانية ، والظاهر أن هذه الطبقة بالذات كانت من نتائج الطوفان التأريخي الرهيب لأرض ما بين الرافدين .
الحسابات ( المثلثية ! ) أوصلت العالِم ( فولي ) لنتيجة مفادها أنه لم يصل بعد للطبقة ( العذراء ) من الأرض ، والتي لم يلمسها إنسانٌ بعد ، لهذا واصلوا حفرهم إلى أن ظهر تحت طبقة الطمى تلك آثار مستوطنات بشرية ( لبن وقذارة وبقايا أوانٍ فخارية ) ، وأثبتت كِسَر الأواني الفخارية تلك أنها تعودُ لحقبة زمنية وحضارة بدائية مختلفة تماماً عن تلك الموجودة فوق طبقة الطمى النهري !!، بمعنى أن طبقة الطمى ذات عمق الثلاثة امتار كانت تفصل بين زمنين ومُجتمعين لا علاقة للواحد منهما بالأخر غير علاقة المكان !!.
ولم يكن هناك غير تفسير واحد : وهو ان طوفاناً رهيباً حدث عبر ليل الزمن وأغرق مستوطنات قديمة وغير معروفة لنا ، وبعد إنتهاء الطوفان وجفاف الأرض أتت شعوب وأقوام اخرى وسكنت بلاد ما بين النهرين ، وكان هؤلاء هم السومريون الذين شكلوا أقدم حضارة مكتوبة في تأريخ الجنس البشري .
وتقول معلومات العلماء ، أنه .. ولكي يتجمع الطمى على إرتفاع حوالي ثلاثة أمتار ، يجب أن يبقى الماء مدة طويلة على إرتفاع لا يقل عن ثمانية أمتار !!، وقد بينت الحسابات العلمية أنه لو وصل إرتفاع الماء لمثل هذا الحد ( 8 أمتار ) لإنغمرت كل الأرض في بلاد ما بين النهرين !!.
إذن فقد وقعت هنا حقاً كارثة نادرة الحدوث في التأريخ ، ورغم ذلك فهذه الكارثة كانت إقليمية وموضعية ، ولكن سكان المنطقة من الناجين ومَن بعدهم ظنوا آنذاك أن الكارثة عَمَت العالم كله وأن الطوفان كان شاملاً بعثه الرب المُقتدر الباطش كعقاب للبشرية بسبب خطاياها !!.
وهكذا أيضاً إنتقلت قصة الطوفان من جيل لآخر ومن زمن لآخر ، إبتداءً من السومريين والأكديين والبابليين والآشوريين والكلدان إلى أرض كنعان حين تلقفها العبريين فحرفوها وصاغوها بطريقة خدمت أغراضهم واغراض مؤلفي التوراة ومقتبسيه ] .
6 - جذور إقتباس فكرة الجنة
في الأسطورة السومرية التي عُرِفَت بين الباحثين بإسم ( أسطورة أنكي وننخرساج ) ، يتم وصف الجنة على شكل بستان كبيرة للخير والبركة . فمن إتحاد جَسَدَي ( أنكي ) الذي يُمثل المياه ، مع ( ننخرساج ) التي تُمثل التربة - الأرض الأم - يُخصبُ الفردوس السومري ويمتلئ بالورود والأزاهير وعطاء الحقول والبيادر وثمار النباتات التي تحمل الحياة والديمومة للبشر !!، ولهذا فهي أرض الخلود والنعيم والراحة الأبدية . والتي سيعيش فيها البشر مع حيواناتهم بسلام وخير بعيداً عن الشقاء والمعاناة والمرض والحزن والفناء .
الواقع الإنساني الذي لم يتبدل عبر كل العصور يقول لنا وبوضوح تام ، بأن الصورة الفكرة عن الجنة السومرية تعبر عن أحلام كل البشر ومنذُ بداية تواجدهم على الأرض ، ولا يزال نفس الحلم مستمراً في مخيال وأحلام كل البشر . وتقول الأسطورة أن موقع هذه الجنة هو في ( دِلمون ) وحسب رأي العلماء فدلمون هي دولة ( البحرين ) الحالية .
وبإختصار فإن دلمون تقع ضمن عدة جزر وسط بحر الكلدان ( الخليج العربي حالياً ) ، وتقول دراسات البيئة أن مناخ هذه الجزر ( الدلمونية ) كان رطباً غزير الأمطار قبل عشرة آلاف سنة ، وربما هذا أعطاها خاصية ( الدائمة الخصرة ) وقَرَب شكلها للناس إلى فكرة الجنة الوارفة الظلال والنبات والخير .
أقدم وثيقة تأريخبة عُثر عليها لعلاقة وادي الرافدين ( سومر ) مع دلمون كانت مع أحد ملوك سلالة ( لَكِش ) السومرية في حدود سنة 2520 ق.م ، وكانت حول سفن محملة بالأخشاب قادمة من دلمون إلى لكش . وكانت آخر وثيقة عُثر عليها في بلاد النهرين تذكِرُ دِلمون تعود لعام 544 ق.م .
كان الإله ( أنزاك ) هو رئيس آلِهة دلمون ، ومع ذلك فقد ورد إسمه ضمن قائمة آلِهة وادي الرافدين !!، ومن يدري .. فربما كانت بلاد وادي الرافدين تُعير أو تهب أو تؤجر بعض آلِهتها لما يُحيط بها من بلدان أو دول أصغر منها أو تحت سيطرتها !.
وبالنسبة لجنة دلمون فهناك ترتيلة سومرية جميلة تعود لألفين سنة ق.م ، تقول أن أرض دلمون مقدسة باركها ( أنكي ) إله المياه العذبة ، ومنحها الماء بعد طلب من آلِهة دلمون ( نن سيكال ) وبمباركة ( اُوتو ) آله الشمس . وهكذا وصل الماء العذب إلى دلمون ، وتُختتم الترتيلة بهذه الكلمات :
دلمون تشرب الماء الوفير
دلمون تشرب ماء الرخاء ، آبارها ذات الماء المُر ، أنظر !!
تراها وقد صارت مياهها عذبة
حقولها أنتجت الغلة والقمح
دلمون صارت داراً للشواطئ ، ومراسي الأرض
يا أرض دلمون الطاهرة ، المقدسة ، النقية
في دلمون لا ينعق الغراب
ولا الأسد يفترس أحداً
والذئبُ لا يختطف الحمل
والكلب المسعور لا يُهاجم الجدي
والخنزير البري لا يلتهم الزرع
ولا الأرمد يقول : عيني مريضة
ولا المصدوعُ يشكي من صداعهِ
وحيث لا يشتكي النساء والرجال من شيخوختهم
والبشر لا يُواجهون الكوارث التي تُدمر الغلة
وفي دلمون ليس هناك أرملة
وحيث المُنشد لا ينوح
ولا بشر يندب ويعول على أطراف المدينة .
هنا نقرأ أحلام البشر الوردية بأسمى معانيها وأرق عباراتها وقمة إنسانيتها ، هي آهات المظلومين ، وتوجعات المُنكسرين ، وتداعيات الضعفاء المخذولين ، وزفراتُ المسحوقين الموجوعين حياتياً ، وتنهيدة المغلوبين على أمرهم في كل زمانٍ ومكان ، والتي دعتهم لتصوير وتأمل وإنتظار مكان - جنة - في مُخيلتهم ينعمون فيه بالدفئ والأمان والحب والسعادة والراحة الأبدية التي إفتقدوها على الأرض . لِذا .... لا عجب لو تم تصديق وإنتظار هذه الفكرة الحلم - الجنة - !! ولكن العجب أن يتم تحويرها وتهويلها وتقبيحها إلى تفاصيل جنسية جداً كما في جنة الشبق في القرآن ، بحيث خرجوا عن المعقول والمألوف في الفكرة السومرية المتواضعة الأصلية ، وأصبحت جنتهم مدعاة لقتل البشر وتدميرهم ولمجرد أن البعض الجاهل صدقوا بأن من يُجاهد ويَقتُل أكثر في سبيل الله هو الذي يستحق الجنة الذكورية التي أصبح رمزها ( فرج المرأة وعذريتها ) !!!.
أما في الجنة التوراتية المُقتبسة ، فيتبين إنها مزرعة أو حديقة للرب في شرقي عدن ( وعدن في اللغة السومرية تعني الأراضي السهلية الزراعية ، والتي أسكن كتبة التوراة فيها لاحقاً آدم وحواء . والتوراة تفترض أن جنة عدن تقع في جنوب وادي الرافدين ( سومر ) ، وتقول بوجود أربعة أنهار من ضمنها دجلة والفرات ونهرين آخرين وهميين .
والمتتبعين الباحثين وجدوا التشابه الكبير في خصائص وصفات الجنة التوراتية بعد مقارنتها بالجنة السومرية !، حيث في سِفر إشعيا التوراتي مواصفات للجنة مُقتبسة تماماً من الجنة السومرية تتحدث عن الراحة والطمأنينة والسلم ، وتتطرق حتى لأدق التفاصيل السومرية من خلال كلامها عن الحيوانات ، لا بل وتبالغ - كعادتها - بطريقة مُضحكة في تلك التفاصيل حين تقول ( مُختصر ) في سِفر إشعيا 1 : 6 - 10: (( ويسكن الذئب مع الخروف ! ، ويربض النمر مع الجدي والعجل ! ، والأسد يأكل تِبناً كالبقر !!! ، والطفلُ الرضيع يلعب مع الحيات ..الخ ! )) والحق أضحكتني جداً فكرة ذلك الأسد الذي يأكل تبناً كالبقر !!، وهي دلالة على سذاجة وهشاشة المُقتبس التوراتي !.
كذلك نُلاحظ أن الرب في الجنة التوراتية قد زرع شجرة الحياة وسط الجنة ، كذلك زرع شجرة معرفة الخير والشر ، وفي كلا الحكايتين - السومرية والتوراتية - نرى أن عقدة الحكاية ، أو المغزى والمعنى منهما هو الخطيئة البشرية .
وفي كلا الحكايتين يقوم الإله المسؤول بطرد البشر من جنتهِ !، ولكن برأي الكثير من الباحثين والفلاسفة والمُفكرين فإن الخطيئة تلك لا تُشكل سبباُ مُقنعاً للطرد ، ولمجرد أن البشر لم يُطيعوا بعض أوامر الرب ، بل يعتقدون أن السبب الأكبر والرئيسي هو خوف الرب من أن يأكلا أيضاً من ثمار شجرة ( الحياة ) ، وهذا سيخلدهما كما هو الرب مُخلدٌ وسرمدي كما تدعي الأديان وكتبها المقدسة .
وحول ذلك نقرأ في الإصحاح الثالث من سِفر التكوين : (( وقال الرب الإله : ها هو الإنسانُ قد صارَ كواحد مِنا ، عارفاً الخير والشر ، والأن ربما ستمتد يده ويأخذ من شجرة الحياة أيضاً ، وياكل ويحيا إلى الأبد )) .
والغريب هنا – رغم علمنا بأسطرة غالبية التوراة – ، هو أن إله التوراة لا يثق بمخلوقاتهِ !، مما يُعطينا إنطباعاً أنه لم يُحسن صُنعها !!، وهذا مُحتمل ووارد جداً في قصة خيالية من نسج البشر !!.
7 - جذور إقتباس فكرة الترهيب ( الجحيم وجهنم والعقاب )
أطلق السومريون على عالمهم الإفتراضي التحت أرضي أو السفلي تسمية ( أرض اللا عودة ) ، والتسمية بالسومرية هي ( كي توكي ) وفي البابلية ( أرص لاتاري – أرض اللاعودة ) .
كان الإله ( نركال ) هو الإله الرئيسي بين آلِهة العالم السفلي ، والمتحكم في أبوابها السبعة ، وبمرض الطاعون ، وبقوة الشمس الحارقة المُدمرة . وكوكب نركال هو المشتري ، وهناك أسطورة عن ( نركال وزوجتهِ أريشكيجال التي هي شقيقة الألِهة عشتار ) تقول : (( أن الآلِهة الكبار أقاموا وليمة كبيرة دعوا فيها كل الآلهة ، ومن ضمنهم أريشكيجال والتي كانت في البداية هي زعيمة العالم السفلي ( عالم الأموات ) ، لكنها لم تستطع أن تلبية الدعوة كونها تابعة للعالم السفلي فقط ، ولهذا تُرسل وزيرها ( نمتار ) ليمثلها في حضور الوليمة وليجلب حصتها ، والذي عندما دخل إلى قاعة المأدبة قام لهُ إحتراماً كل الآلِهة إلا الإله ( نرجال ) !!.
بعدها تقوم ( أريشكيجال ) بالإحتجاج عند مجمع الآلِهة الكبارعلى تصرف ( نركال ) المُهين ، وتتهددهم بالشر إن لم يسلموه لها !، فيقومون بتسليمه خوفاً من شرورها .
وعند نزول نرجال للعالم السفلي يقوم بمباغتة أريشكيجال ويمددها على الأرض ليقطع رأسها !، وهنا تنهار أريشكيجال وتبكي وتتوسل رحمته وتطلب عفوه وتعده أن تكون زوجته : ( وسأجعلُ لكَ مُلكاً وسُلطاناً على كل العالم السفلي ، وسأضع بين يديكَ ( الواح الحكمة ) ، وأكون إمرأة السيد العظيم نرجال ) . حينئذٍ يرفعها إليهِ ويُقبلها ويمسح دموعها ويتزوجها )) .
ورغم رومانسية الحدث لكنه يُذكرني بالنهايات السعيدة على طريقة الأفلام الهندية والمصرية القديمة .
هناك أكثر من قصة كاربونية ل ( نركال وأريشكيجال ) في حضارات الرافدين والعالم ، وجميعها متقاربة في المضمون حول وجود ما يُسمى بالعالم السفلي ( عالم الموت واللا عودة ) والكائنات التي تدير شؤون ذلك العالم المُرعب !.
وكان السومريون يسمون العالم السفلي أيضاً ب ( أرالو ) وهو من أسماء ( نركال ) إله مثوى الأموات ، وقد صوروا ذلك العالم كمدينة كبيرة - تحت أرضية - مُحاطة بسبعة أسوار ولكل منها باب واحد . ويحكمها الإله نركال وزوجته أريشكيجال ، والتي مثل زوجها تتحكم بالأمراض والشر والموت والطاعون ، ويُساعدهم في تسيير أعمالهم الرهيبة مجموعات من المردة والجن والعفاريت – لم يكن مفهوم الشيطان معروفاً يومذاك - ، ويزعمونَ أن الميت يدخل للعالم السفلي عارياً كما خُلق عارياً ، وأن الريش وألأجنحة ينبتان على جسدهِ كما يحدث لصغار الطيور !!.
ويقولون أن كل الأموات سيبقون إلى الأبد مُمرغين في الأوحال والطين والظلام والبرد والخوف والأمراض والبؤس الأبدي ، وطعامهم سيكون التراب إلى الأبد !!. لوحة كابوسية قبيحة .
وكانوا أيضاً يعتقدون ان الإله نركال يختطف البشر من حياتهم الأرضية وينزل بهم كموتى إلى عالمه الأسفل ليلتهمهم !!، ، وربما أفكار كهذه كانت من صنع كهنة المعابد ، كي يزيد البشر حجم الأضاحي والتقدمات المقدمة للمعابد من أجل أن تحفظ الآلِهة حياة البشر وتُبعدهم عن عالم الموت والعذاب الأبدي ولو إلى حين .
في الأسطورة الفارسية الزرادشتية ، نرى أن ( رِشنو ) هو الحاكم العادل جداً الذي يحكم بالعدل على أرواح البشر بعد موتهم ، وبحسب أعمالهم الأرضية من خير وشر . وبعد الحكم العادل تبقى الروح مع الجسد لمدة ثلاثة أيام وثلاثة ليالي ، وهي الفترة التي يستغرقها إصدار الحكم من قِبل رشنوعلى الأموات . وهذا يذكرنا بموت وقيامة السيد المسيح في ثلاثة أيام .
وهكذا نرى في الطريقة الزرادشتية أنه من كان من أصحاب الخير – حسب نتيجة الحكم - ، كانت تُساعدهُ عذراء شقراء لعبور ( جسر الفراق ) !، والعذراء هنا هي تجسيد لضمير الروح التي تذهب بامان كُلي إلى حيث الضوء والسعادة الأبدية .
أما إذا رجحت كفة الشر في حسابات وميزان ( رشنو ) ، فالروح تجد ( جسر الفراق ) حاداً رفيعاً كحافة الموسى ، فتسقط الروح المُرتعشة نحو الأسفل حيث جهنم ، لتستقبلها هناك عفريتة بشعة شمطاء تُمثل الأعمال السيئة الشريرة للشخص الميت ، وتقوم العفريتة بتسليم روحهِ للشياطين ، ويتم حبس الروح في مكان خاص يسمى ( دروج ) ، وهو هاوية عميقة جداً مظلمة باردة مآساوية التفاصيل ، يعمها البؤس والظلام والشقاء والأوجاع والأنين ، حيث تتعرض
الروح لعذابات أبدية !!.
من مجموعة الكوابيس هذه ، السومرية والبابلية والزرادشتية وغيرها تم إقتباس أفكار عن الجحيم والمصير ألأخير والجنة وجهنم والعقاب والثواب زائداً إسهالات فكرية ساذجة بائسة مُضطربة مشوشة وقلقة لعقول مريضة بالوهم والخرافة والثوابت البلهاء التي صنعها بعض البشر الفاشلين في مضمار الإبداعات الإنسانية النبيلة ، فكان أن عوضوا عنها – للأسف – في إبداعات خزعبلاتية بديلة !!.
نعم ... من هذه التهويمات القديمة إقتبس اليهود والمسيحيين والمسلمين فكرة الجحيم والتفاصيل التابعة له ، مع الكثير من التضخيم والتهويل والمبالغة بحيث أصبح دخول الجنة عسيراً (( كدخول الحبل المتين من خرم الأبرة )) ! حسب تصوير وكلام السيد المسيح نفسه !!. ولسنا ندري ما الغاية من وجود الجنة في المسيحية إذا كان دخولها من عاشر المستحيلات !!؟ ، بينما دخولها من السهولة بمكان في الإسلام بحيث يكفي كونك مسلماً قرأ الشهادتين او إرهابياً فخخ دبرهِ في سوق الخضار !!.
الغاية الرئيسية من فكرة الجحيم لم تكن أبداً للتأثير على الناس في أن يكونوا أحسن من خلال تحجيم ملكة الشر عندهم ، بل كانت لتخويف وترهيب البشر من بسطاء وعبيطي الفكر ، وقسرهم على التصديق والإيمان بالله والديانات البشرية القديمة المنقرضة منها والحديثة التي لازال لها أجنحة ، وكل ذلك لديمومة فئة من الناس أصحاب الوظائف القديمة التي أغنت وتُغني أصحابها لحد اليوم : الكهانة ، وحارقي البخور .
والترهيب كان من أكبر الأسباب الرئيسية في دوام الأديان التوحيدية ، فعلى الناس الطاعة العمياء ( نفذ ولا تُناقش ) وإلا ....... فالرب ( الباطش المنتقم الماكر المُذل المميت القاهر الضار الداينصوري ) سيكون لك بالمرصاد ، لابساً خوذتهِ ودرعهِ ونعالهِ وحاملاً شوكتهِ الثلاثية ليريك ما تعجز عن تصوره مخيلة إنسان من عذابات أبدية !!!!. هذا هو رب الأديان الترهيبية الشرق أوسطية !!!.
النبي محمد في الإسلام أعطى إسم ( مالك ) لملاك أو خازن النار في جهنم !، وهو كبير الخزنة ورئيسهم ، والذي وصفه النبي محمد بأنه ( لا يضحك أبداً ) !!!. وربما منه إقتبس أغلب المؤمنين والسلفيين ورجال الدين المسلمين ذلك التجهم الكريه ، والتقطيبة البوكرية التي يتصورون أنها من سمات ( الوقار والجد والعقلنة والهيبة والرجولة ) !! .
تقول كتب المسلمين أن النبي محمد رأى ( مالك ) خازن النار ليلة الإسراء ، حين زار السماوات السبعة على ظهر دابته ( السوبر ) البراق ، وقال عنهُ : أنه من ملائكة الله المُكرمين !. وقد ورد إسم (مالك ) في القرآن من خلال سورة الزخرف : (( ونادوا : يا مالك ليقض علينا ربك ، قال : إنكم ماكثون )) !!.
ملاحظات :
*خازن الجنة في الإسلام إسمه : رضوان .
*جهنم : من أسماء النار عند العرب ، وسُميت كذلك لبُعد قعرها ، والجهنام : هو القعر البعيد ( كناب : شفاء الغليل ) .
*ورد ذكر جهنم في القرآن ( 77 ) مرة .
حكى لي الصديق مازن عن الصديق عادل عن الصديق فارس عن الصديق فؤاد عن الصديق صلاح ، بأن هناك قصة أو حديث يقول أن النبي محمد كان يتعشى مع الصحابة حين سمع الجميع دوياً هائلاً بعيداً ، فسألوا نبيهم عنهُ فاجاب : هو صوت حجر عظيم سقط منذ الف عام من اعالي فوهة جهنم ولم يصل قعرها إلا اللحظة !!. ونترك لكم التعليق .
*تسمية ( جهنم ) وهي الجحيم عند اليهود تم إستعارتها من ( وادي هِنُّوم ) في القدس ، وهو موضع كانت تُقدم فيه الضحايا البشرية للإله ( ملوخ أو مولِك ) ، وتم إستعمالهِ فيما بعد لحرق قمامة ونفايات مدينة القدس .
*في لُغتنا ( الكلدانية ) المتداولة لحد اليوم بين مسيحيي العراق ، نُسمي جهنم ( كِهانَة ) وتُنطقُ بالكاف المصرية .
8 - جذور إقتباس فكرة ( الشعب المُختار )
يؤكد علماء السومريات على أن السومريين كانوا يعتبرون أنهم مجتمع متميز ومُقدس ومتصل بالآلِهة إتصالاً لم تحظى بهِ بقية الشعوب والمجتمعات ، وربما بسبب عدم وجود مجتمع قريب جغرافياً مُعادل لحضارتهم أو يبزها ويتفوق عليها ، والحالة هذه تجعلهم مُحقين - نوعاً ما - في إعتقادهم هذا .
يقول العالم الآثاري ( صمويل كريمر ) : (( أعتقد أن التربية والأخلاق والطاعة والإنضباط عند السومريين كانت متأثرة جميعها وبعمق بنزعة سايكولوجية تميل لقطب التفوق والسمو والهيبة والشهرة والفخر ، وهذا ما لم يكن عليهِ العبرانيون في وقتٍ متأخر )) . ثم يعقب قائلاً : (( كان السومريون ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ( شعب مختار ) ، قومٌ خاص ومقدس نوعاً ما ، وعلى إتصال بالآلِهة ( الأناناكي ) ، وأكثر خصوصية من الجنس البشري )) .
وربما من هنا إقتبس العبرانيون هذه الفكرة التي قد لا تنطبق عليهم !!.
وممكن تثبيت هذا الإقتباس من خلال فكرتين عرقيتين عنصريتين أصر عليهما الشعب العبراني لحد اليوم !!، وهما
*أولاً : أن الرب عند اليهود يُعتبر رب إسرائيل فقط !، والأدلة كثيرة ومتشعبة في التوراة ، نختار منها : (( في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرم ( ابراهبيم ) ميثاقاً قائلاً : لِنَسْلِكَ اُعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات )) . سِفر التكوين 18- 15 . ونرى القرآن يُردد بببغائيته المعروفة هذا الإعتقاد والذي يُجَيَرُ لحساب اليهود : (( يا بني إسرائيل إذكروا نعمتي التي أنعمتُ عليكم ، وإني فضلتكم على العالمين )) . سورة البقرة – 47 .
ومن خلال نفس الإعتبارات ( العرقية والعنصرية ) نرى أنه حتى السيد المسيح - العبري واليهودي الأصل والجذور - تماهى وتعاطف مع الفكرة العرقية العنصرية المتكبرة ، حين رفض مساعدة المرأة الكنعانية - غير اليهودية - والتي نادتهُ متوسلة برحمته : (( إرحمني يا إبن داود ، إبنتي مجنونة جداً . فلم يُجبها بكلمة ، فتقدم تلاميذه منه وطلبوا إليهِ قائلين : ساعدها يا معلم لأنها تصيح وراءنا ، فأجاب : لم اُرسَلْ إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة . فأتت المرأة وسجدت له قائلة : يا سيد أعِنّي ( ساعدني ) ، فأجاب : ليس حسناً أن يؤخذ خبزُ البنين ويُطرح للكلاب . فقالت : صحيحٌ يا سيد .. ولكن حتى الكلاب أيضاً تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها . حينئذٍ قال يسوع لها : يا إمرأة .. عظيمٌ إيمانك ، ليكن لكِ ما تُريدين . فشُفيت إبنتها من تلك الساعة )) . إنجيل متى : إصحاح 15 ، كذلك وردت هذه القصة في إنجيل مرقص : الإصحاح 17 ، الآيات 30 – 24
والسؤال الذي راودني منذ أول مرة قرأتُ فيها هذه القصة قبل سنوات طويلة ، والذي عجز عن تقديم الإجابة المُقنعة المنطقية عليه الكثير من المسيحيين ورجال دينهم هو : ألم يقل السيد المسيح ولأكثر من مرة في الأناجيل الأربعة بأنه جاء من أجل كل العالم ؟ .
*ثانياً : الفكرة العرقية الثانية تَظهر بوضوح ساطع من خلال إدعاء ( كتبة التوراة ) بأن شعب إسرائيل هو (( شعبُ الله المختار )) ، ونرى هنا أن اليهود العبرانيين توسعوا جداً جداً في إقتباسهم لفكرة الشعب المختار السومرية الأصل ، وخرجوا من الحدود المنطقية المقبولة والمعقولة لها ، حين قاموا بفرض عنصريتهم على الكنعانيين بصورة خاصة ، وعلى عموم العالم بصورة عامة ، وبإسم الرب الخالق !!! .
بعد بدعة ( كتبة التوراة ) يأتي دور مُقتبس آخر هو كاتب القرآن ، ليقدم لنا مقولته العنصرية الشهيرة : (( وكنتم خير أمة أُخرجت للناس )) !. ويروح يكحلها بقوله : (( وإني في يوم القيامة لمباهٍ بكم الأمم )) . !!. لكنه لم يذكر للأسف هل سيُباهي بالكمية أم النوعية !؟ .
وللعرب أيضاً أسطورة ( أرض ميعاد ) ، ومختصرها بتصرف : [ أن هود رأى رؤيا تقول له : يا هود لو إنك أو أحد أولادك شممتم رائحة المسك في ناحية من نواحي الأرض ، فكل ما تقطعونهُ من أرضٍ هو لكم ميعاداً إلى أن تبهت رائحة المسك ] ! .
ويقا ل أن يعرب بن قحطان بن هود ضربت خياشيمه رائحة المسك يوماً ، فقال لهُ جده هود : [ أنت ميمونٌ يا يعرب ، أنت أيمن ، أنزل بأرض اليمن فإنها خير وطنٍ لك ] . شوقي عبد الكريم – الفولكلور والأساطير العربية .
كذلك تظهر فكرة الشعب المختار وإنحياز الرب للعبرانيين من خلال قصة ( برج بابل ) ، حين يُبلبل الرب التوراتي ألسن 70 أمة ، لكنه يقوم بالمحافظة فقط على لُغة بني إسرائيل !!!.
وعلى نفس الأنغام التوراتية المتكبرة ، نرى أن النبي محمد يقع في نفس المصيدة العنصرية ، حين يقول في قرآنهِ : (( إنا أنزلناهُ قرآناً عربيا )) ، كذلك يُصرح في نصوصه بأن العربية هي (( لسان أهل الجنة )) !!. والحسنة الوحيدة لنا نحنُ الناطقين باللغة العربية هي إننا قد حصلنا على ضمانة وظيفة (مترجم ) في الجنة !.
مفهوم التفاخر والعرق والرس والقومية واللغة ، تطور لدرجة خطيرة في الأزمنة الحديثة ، مما أدى إلى فكرة ( تدوين التأريخ قومياً ) ، وكان في طليعتهم اليهود العبريين ، كذلك فعل اليونانيون والفرس والعرب وغيرهم ربما . وفي القرن 19 إنتقلت العدوى إلى ألألمان من خلال دعوة ( فيشتة 1814 – 1761 ) ، ومن خلال دعوات أخرى منها دعوة ( فون ترايجكة ) وغيرها ، وكلها تدعو وبقوة إلى تدوين التأريخ الألماني بإسلوب قومي ، وقد تحقق ذلك من خلال دولة ( الرايخ الثالث ) الألمانية النازية ، بعد تولي أدولف هتلر السلطة في المانيا عام 1933 .
يومها أصبحت الفلسفة النازية عقيدة راسخة للدولة والأمة الجرمانية ، وتم التصديق والإعتقاد بأن الرس الجرماني هو الرس الخالق والقائد والمُبدع لأكبر حضارات الأرض ، وأن الأقوام غير الجرمانية وغير الآرية ليست ذات قيمة أو أهمية ، وخالية تماماً من الإبداع ، وإن كل ما أنتجتهُ بقية الشعوب ( الواطئة ) هو تقليد وإقتباس ومحاكاة للشعوب الجرمانية الآرية العبقرية المُبدعة !!.
وهكذا تم - بأمر هتلر - إعادة كتابة تأريخ العالم !، ووضع الجرمان واليونان واللاتين في مقدمة شعوب وقوميات الأرض ، مع إعطائهم ريادة الحضارة العالمية ، والزعم بأن شعوب الشرق إنما أخذوا حضاراتهم من حضارات الجرمان والرومان واللاتين الذين قام العالم على عبقريتهم !!.
يقال أيضاً أن هتلر كان قد صنف وسلسل رقي شعوب العالم في قائمة خاصة كان اليهود والعرب والزنوج والقردة يحتلون أسفلها !!. والحق إنني بحثتُ عن هذه القائمة طويلاً ، ولم أتوصل لها ، ويا حبذا لو أسعفنا أحد القراء بمصادر عن هذه القائمة الهتلرية ، فيما لو كانت حقيقة .
الخاتمة وتداعي أحجار لعبة الدامِنو
في حديث للنبي محمد : (( إن الله تعالى خلق آدم بيدهِ ، وخلق جنة عدن بيدهِ ، وكتب التوراة بيدهِ )) . كذلك نقرأ إعتراف النبي محمد بمن قبله من الأنبياء ، ولمجرد أن يُثبت نبوته ، في قوله : (( مُصدقاً لما بين يديَ من التوراة والإنجيل )) .
كذلك كلنا يعرف مدى إعتراف السيد المسيح بالتوراة وكل ما جاء فيها من خلال تورطه ووقوعهِ في فخ الأديان الذي لن يسلم منه نبي ، في إعترافه العلني : (( لا تظنوا إني جئتُ لأنقض الناموس ، أو الأنبياء ، ما جئتُ لأنقض ، بل لأكمل )) . المسيح – إنجيل متى 17- 5 . علماً بأن الناموس يعني : كل شرائع النبي موسى !!. ولما كانت شرائع موسى مُقتبسة ومسروقة وليس بها رائحةُ أي خالق أو رب أو مُقدس ، فماذا جاء ( ليكمل ) السيد المسيح يا ترى !!؟
وهنا نجد أن سقوط الدين الذي تعكزت عليهِ بقية الأديان ، يجعل تلك الأديان تتساقط بصورة تراتبية كأحجار الدامينو ، الواحدة بعد الأخرى !، لأنها بُنيت بنفس الطريقة ، الواحدة مُعتمدة على فكرة الأخرى .
يقول مارك توين : [ من السهولة أن تجعل الناس يُصدقون كذبة ، ومن الصعوبة إزالة تأثيرها عليهم ] .
المجد للإنسان .
الحكيم البابلي == أواسط آب 2011
======
أدناه فيديو مُصور أنصح كل القراء بمشاهدتهِ وبجزئيهِ الأول والثاني ، عنوانه ( تأريخ الله ) للكاتبة : كارين أرمسترونغ . )
الجزء الأول
http://www.youtube.com/watch?v=4vHJIxhL8RY
الجزء الثاني
http://www.youtube.com/watch?v=zJkkfP_ijXE
الكاتب: الحكيم البابلي
المصدر: الحوار المتمدن
المصادر التي إعتمد عليها المقال :
ملحمة كلكامش .... طه باقر .
مُقدمة في تأريخ الحضارات القديمة ... طه باقر .
جولة في أقاليم اللغة والأسطورة ... علي الشوك .
الأساطير بين المعتقدات القديمة والتوراة ... علي الشوك .
الأسطورة والتراث .... سيد القمني .
قاموس أساطير العالم .... آرثر كورتل .
الفولكلور والأساطير العربية ... شوقي عبد الكريم .
بلاد الرافدين .... جان بوتيرو .
دراسة في الأسطورة ...., فراس السواح .
أساطير من بلاد ما بين النهرين ...... ستيفاني دالي .
3 تعليق(ات):
و هل سفر التكوين قال انها شجرة تفاح؟ ما هذا الهراء
اولا انت تكلمت واستشهدت في معظم كلامك بالتوراة وهي بنص القرآن قد حرفت
ثانيا لماذا لم تستشهد بالقرآن في كل كلامك؟
ثالثا لم يكن القرآن عنصريا فقد قال النبي محمد "لا فرق بيني عربي ولا اعجمي إلا بالتقوي"حديث شريف
وقال ايضا"ان الله لا ينظر إلي صوركم ولا إلي انسابكم ولكن ينظر الي قلوبكم"حديث شريف
أما الآية التي ذكرتها فأنت بترتها لم تكملها فالآية تقول"كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" فمن البديهي ان الأمة التي تعمل الصالحات وتأمر بها وتنهي عن سيئ الاعمال ان تكون خير الامم ،وأما بالنسبة للآية"يبني اسرائيل اذكروا نعمتي عليكم واني فضلتكم علي العالمين"فهذا لأنهم كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وعندما ضلوا عما أمرهم به الله ذكرهم بنعمته عليهم لأنهم دنيويون وماديون،أما بالنسبة للآية"اولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كاناتا رتقنا ففتقناهما" هذه الآية التي ذكرتها سوف تضحض كل كلامك وسوف تكون دليلا عليك وليس دليلا لك كما اردت فهذه الآية من آيات الاعجاز العلمي في القرآن فقد اثت العلماء ان السماء والارض كاناتا ملتصقتين،فإن كان محمد حقا قد كتب القرآن فكيف عرف هذه المعجزة العلمية"المكتشفة حديثا"
وكيف لمحمد ان يعرف مراحل خلق الانسان"نطفة،علقة،مضغة،عظاما،فكسونا العظام لحما"فهل كان محمد عالم فسيولوجي؟
وكيف عرف محمد موج البحار السفلي"او كظلمات بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب" قرآن كريم،
وقال تعالي ايضا"مرج البحرين يلتقيان،بينهما برزخ لا يبغيان"فقد اثت العلماء ان البحار بينها فواصل فلا يمكن لبحر ان يطغي بمائه علي بحر آخر ولا يمكن لبحر ان يطغي علي ماء نهر،فهل كان محمد عالم بحار؟
"لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون"كيف علم محمد هذا؟هل كان عالم فلك؟
"فاصبح صدره ضيقا حرجا فكأنما يصعد في السماء"كيف علم محمد ان الاوكسجين يقل كلما صعدت في السماء؟
"فقالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون"اثبت العلم ان ثلثي جسم النملة من الزجاج اي انها اذا ضغت عليها سوف تتحطم فكيف علم محمد حقيقة النملة؟
"وتري الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب" وقد اثبت العلم هذا وانها تتحرك تحت الارض وان الجبل الجزء الاكبر منه اسفل الارض وليس الذي نراه، فهل كان محمد عالم جيولوجي؟
"وجعلنا الجبال اوتادا" اثبت العلم ان الجبال هي بمثابة اوتاد تحمي الارض من الانزلاق وتحفظ اتزانها ومصداقا لقوله تعالي"والقينا في الارض راوسي ان تميد بكم" فكيف علم محمد كل هذه الحقائق؟
اثبت العلم ان الطوفان الذي ذكره القرآن كان حقيقيا فكيف تنكرونه؟وكيف تزعمون ان القرآن اقتبس القصة من التوراة وهي قصة حقيقية؟وما دليلكم؟ان كل الادلة تثبت ان القرآن كلام الله وإلا ففسروا كيف اخبر القرآن عن كل هذه الاعجازات العلمية التي عرفت بعد نزوله بقرون بعيدة
وكيف لهاذا القرآن الذي اخبر عن كل هذه الحقائق التي عرفت بعد نزوله بأربعة عشر قرنا من الزمان ان يكون قول بشر؟
انه كلام العزيز الحكيم،انه كلام ربك الذي خلقك وتكفر بنعمته عليك،وما محمد إلا رسول الله ونبيه
قال تعالي"إنهم لا يكذبونك ولكن الكافرون بأيات الله يجحدون"
وقال ايضا"ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين"
this is a very serious topic,http://www.custom-paper-writing.com/blog/essay-writer.html I am glad that you are so familiar with it
إرسال تعليق