رسمت الاديان الشرقية ( اليهودية والمسيحية والاسلام ) لوحات فنية نرى فيها الاله جالس على عرش , وهذا العرش محمولا وعائما على صفحة المياه الازلية تارة , او ان ملائكة مجنحة تحمل هذا العرش ومن عليه على اكتافها تارة اخرى , وحول العرش ترى ملائكة اخرى واقفة فى خشوع امام وعن يمين وعن يسار الجالس على العرش .
هذه الصور التى رسمتها ريشة مؤسسى الاديان الشرقية الابراهيمية مأخوذة ومنقولة ومستوحاه من الاساطير القديمة التى ترجع لالاف السنين قبل ظهور الاديان.
فاقدم الديانات الشرقية ( اليهودية ) تروى لنا اسفارها المقدسة ان لله عرش او كرسى جالس عليه منذ القدم , وان هذا العرش تحمله ملائكة مجنحة ويقف امامه جنود السماء عن يميبنه وعن يساره :
قد رايت الرب جالسا على كرسيه و كل جند السماء وقوف لديه عن يمينه و عن يساره (الملوك الأول 22 : 19)
الرب في هيكل قدسه الرب في السماء كرسيه عيناه تنظران اجفانه تمتحن بني ادم (مزمور 11 : 4)
كرسيك يا الله الى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك (مزمور 45 : 6)
كرسيك مثبتة منذ القدم منذ الازل انت (مزمور 93 : 2)
الرب في السماوات ثبت كرسيه و مملكته على الكل تسود (مزمور 103 : 19)
في سنة وفاة عزيا الملك رايت السيد جالسا على كرسي عال و مرتفع و اذياله تملا الهيكل (إشعياء 6 : 1)
كما يخبرنا حزقيال كيف رأى الله " الاله اليهودى " جالسا على عرش او كرسى تحمله مجموعة من " الكروبيم " وهى الملائكة المجنحة , ففى ثنايا الحديث عن الملائكة المجنحة ( الكروب ) , تلخص لنا دائرة المعارف الكتابية هذه الفكرة تحت مادة : كروب
" وكانت هذه المخلوقات تحمل عرش الله ( حز 1: 26-28 و 9: 3 ) وقد وصف يوحنا الرائي في سفر الرؤيا أربعة كائنات حيّة لها وجوه شبيهة بالأربعة الأوجه المذكورة آنفاً ( رؤيا 4: 6 و 7 ). وقد ظن بعضهم أن الكروبيم كانت تشبه تماثيل أبي الهول المجنحة في مصر وفينيقيا والثيران المجنحة في بابل وأشور. "
ويقول الكتاب المقدس تحت نفس المادة :
" وفي رؤيا حزقيال (حز 1 :26، 10:110 : 1) كان الله يجلس فوق العرش الذي كان على المقبب الذي كان على رؤوس الكروبيم محمولاً على أجنحتها. "
وبعد مئات السنين من اليهودية جاءت المسيحية ونقلت لنا نفس الصورة فيروى لنا كتبة العهد الجديد ان لله ( الآب ) عرش جالس عليه , وان يسوع ( الابن ) يجلس على يمين العرش , وان ملائكة وبشر وحيوانات تقف امام العرش :
و من حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله و بالجالس عليه (متى 23 : 22)
ناظرين الى رئيس الايمان و مكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله (العبرانيين 12 : 2)
يوحنا الى السبع الكنائس التي في اسيا نعمة لكم و سلام من الكائن و الذي كان و الذي ياتي و من السبعة الارواح التي امام عرشه (الرؤيا 1 : 4)
من يغلب فساعطيه ان يجلس معي في عرشي كما غلبت انا ايضا و جلست مع ابي في عرشه (الرؤيا 3 : 21)
و حينما تعطي الحيوانات مجدا و كرامة و شكرا للجالس على العرش الحي الى ابد الابدين (الرؤيا 4 : 9)
و نظرت و سمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش و الحيوانات و الشيوخ و كان عددهم ربوات ربوات و الوف الوف (الرؤيا 5 : 11)
و كل خليقة مما في السماء و على الارض و تحت الارض و ما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش و للخروف البركة و الكرامة و المجد و السلطان الى ابد الابدين (الرؤيا 5 : 13)
و جميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش و الشيوخ و الحيوانات الاربعة و خروا امام العرش على وجوههم و سجدوا لله (الرؤيا 7 : 11)
وبعد سبعة قرون من المسيحية ( اى منذ حوالى 1400 سنة ) جاء الاسلام ونقل بدوره نفس الصورة القديمة فقال ان لله عرش , وهذا العرش استوى عليه الاله , وان عرشه تحملة ملائكة مجنحة تارة وتحمله صفحة المياه تارة اخرى , وملائكة مجنحة تحيط بالعرش الالهى :
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء هود 7
والهدف من هذا البحث هو ان نجد اجابة علمية على هذا السؤال :
من اين انتقلت هذه الفكرة الى الاديان الثلاثة , خاصة اليهودية والتى انتقلت عنها الى المسيحية والاسلام ؟
وما اقدمه الان هو نتيجة بحث وتنقيب فى الاصول الاسطورية السومرية والبابلية والمصرية القديمة التى ذكرت ان لله عرش , وانه استوى على ذلك العرش , وان عرشه كان على الماء. وأحاول ان أبين ان هذه الافكار الاسطورية انتقلت لليهودية , ومن اليهودية انتقلت للمسيحية والاسلام
مقدمة
لامفر لأي دعوة دينية جديدة من أن تصيغ نفسها على أساس من العقائد والاساطيرالقديمة حتى لو أنكرت صلتها بتلك العقائد والاساطير القديمة .
يبدو أن هذه الحقيقة كانت سارية على جميع المعتقدات والأديان. فصاحب الديانة الأحدث نشأ , وتأثر ثقافيا ببيئته وما تحتويه من أفكار وعقائد واساطير , منها ما يوافق ويتناغم مع استعداداته العقلية والروحية والنفسية, ومنها ما لا يستسيغه ويفجه وما يراه متعارضا مع العقل أو الذوق أو الحس .من هذه العقائد ما يراه لائقا بالإله , ومنها مالا يحب أو يرضاه على معبوده . فيأخذ على كاهله مسئولية إصلاح ما يراه قد فسد وضل عن سواء السبيل.
وخلاصة القول أن الديانة الأحدث , بالرغم مما تزعمه من مزاعم , تأخذ التراث الدينى الأسبق وتصيغه من جديد مع ما يلزم من إضافات جديدة تتناسب مع المستجدات والتراكمات الفكرية المتجددة, وما يلزم من حذف ما استهجنته الطبيعة الدينية من عناصر عقائدية بالية بدائية.
انطبق هذا على العبرانيين حيث تاثروا بالتراث الدينى للمنطقة فكانت ديانتهم عبارة عن دمج لما استحسنوه من عقائد واساطيرالامم التى هاجروا اليها (مثل مصر) والامم التى احتلوا اراضيها بالسيف ( مثل الكنعانيين والفلسطينيين وغيرهم.) والامم التى عاشوا فيها فى ايام سبيهم (مثل بابل وآشور والفرس).
كما انطبق هذا على الديانة المسيحية التى أسست معظم عقائدها على اليهودية وعلى كتابها المقدس فضمته الى اسفارها المقدسة , وبطبيعة الحال نقلت منها وعدلت من تعاليمها واضافت لها ما يتفق مع التطور الفكرى والعقائدى والفلسفى لعصرها.
وبالمثل جاء الاسلام وبنى دعائمه على القصص والاساطير والعقائد والطقوس التوراتية والمسيحية وبعض العقائد والمذاهب الاخرى التى كانت منتشرة فى الجزيرة العربية . فترى القرآن ينقل ما جاء فى الاديان السابقة له نقلا حرفيا فى بعض الاحيان ,ويعدل فى ما يراه غير مناسب او لائق بالدين الجديد فى احيان اخرى , وتراه ايضا يرفض وينتقد من العقائد السابقة ما اختلف اصحاب تلك العقائد فيه او ما اصبح غير مقبول فى زمنٍ زادت فيه المعرفة واتسعت فيه الاراء والافكار الدينية وتراكمت فيه كافة المذاهب.
ولقد حاول العلامة اليهودى جيجر Geiger الوصول الى مصدر هذه الاسطورة الاسلامية وتوصل الى ان هذه الفكرة جاءت فى تفسيرات اليهود القديمة للتوراة , فيقول فى كتابه : اليهودية والاسلام
Judaism and islam , by Geiger , SECOND DIVISION , CHAPTER ONE , Second part , Views borrowed from Judaism :
During the creation, however, His throne was upon the waters.4 This idea also is borrowed from the Jews, who say:5 "The throne of glory then stood in the air, and hovered over the waters by the command of God." This is somewhat more clearly expressed by Elpherar who says: "And this water was in the middle of the air."6
الترجمة :
" واثناء الخلق كان عرشه على الماء , وهذه الفكرة ( الاسلامية ) مقتبسة من اليهود الذين قالوا : وقف عرش المجد حينئذ فى الهواء وتأرجح على صفحة المياه بامر الاله "
واستند العلامة المسيحى كلير تسدال CLAIR TISDAL على ما ذكره جيجر , فيقول فى كتابه : المصادر الاصليه للقرآن
THE ORIGINAL SOURCES OF THE QUR'AN by CLAIR TISDAL ch 3
"ان المفسر رابى شلومو يتسحاقى ( راشى) وهو من كبار المفسريين اليهود جاء فى تفسيره للتكوين 1 : 2 قال:
إن العرش المجيد استقر في الهواء، وعام على المياه "
In Surah XI., Hud, 9, in reference to God's throne it is said that, before the creation of the heavens and the earth 65, "His Throne was above the water," in the air'. So also, in commenting on Gen. i. 2, the Jewish commentator Rashi, embodying a well-known Jewish tradition, writes thus: "The Throne of Glory stood in the air and brooded over the waters"
لقد حاول كلا من جيجر ( الحبر اليهودى ) وتسدال( العلامة المسيحى )ارجاع ما جاء فى الاسلام عن عرش الله الذى كان على الماء الى اصول يهودية , وهذا جزء من الحقيقة وليس الحقيقة كاملة . لكنهما لم يبحثا عن المصادر التى اخذ منها اليهود بدورهم تلك الاسطورة .
اسطورة ازلية الماء
قبل ظهور الاديان بالاف السنين وجدت الاساطير القديمة التى حاولت ان تقدم تفسيرا للوجود ونشأة الكون
من خلق هذا الكون ؟
وكيف خلقه ؟
ومن اى شئ خلقه؟
ولماذا خلقه ؟
وانتهى الفكر الاسطورى عند السومريين وهم اقدم الحضارات فى المنطقة الى ان الماء هو اصل الوجود والحياة
ومن الماء خرجت الحياة وعمرت الارض والسماء.
يقول الباحث العراقى د. فاضل على عبد الواحد ملخصا الاعتقاد السومرى:
"1 – فى البدء كانت مياه البحر , (فى السومرية الإلهه نمو Nammu ) والارجح ان السومريين تصوروا ان المياه هذه كانت ازلية.
2 – من مياه البحر الازلية هذه ولد جبل كونى يمثل السماء والارض متحدتين : السماء ( فى السومرية An , وعدت عنصرا مذكرا ) , والارض ( Ki عنصرا مؤنثا ).
3 – نتيجة لاتحاد السماء والارض ولد إله الهواء "أنليل ".
4 – أن الاله أنليل فصل السماء عن الارض , فحمل أبوه An السماء , وحمل هو الارض.
5 – بعد أن تم فصل السماء عن الارض , وتم خلق الكواكب والنجوم , ظهرت معالم الحياة على الارض. "
(من سومر الى التوراة) د. فاضل عبد الواحد على , ص 194 سينا للنشر.
ولقد انتقلت هذه الاسطورة الخاصة بأزلية الماء الى الحضارة البابلية فى قصة الخلق البابلية المعروفة باسم (اينوما ايليش) ,
يقول د. فاضل
" هنا نجد ايضا انه لم يكن فى البدء سوى المياه الازلية " أبسو" ( المياه العذبة , مذكر) وتيامة ( المياه المالحة , مؤنث).
وانه من امتزاجهما ولد الجيل الاول من الالهة... .....
هنا فى اسطورة الخليقة البابلية , نجد ايضا أن المياه كانت أصل الوجود , وان السماء والارض تكونتا , على غرار المعتقدات السومرية , نتيجة انشطار جسد تيامة ( المياه المالحة) الى شطرين على يد مردوخ."
(من سومر الى التوراة) د. فاضل عبد الواحد على , ص 194 سينا للنشر.
وتبدأ اسطورة الخلق البابلية اينوما ايليش مؤكدة على ازلية الماء فتقول:
"عندما فى الاعالى لم تكن سماء
وفى الاسفل لم يكن ارض
لم يكن ( من الالهة ) سوى آبسو أبوهم
وممو , وتعامة التى حملت بهم جميعا
يمزجون أمواههم (جمع ماء) معا ..."
(مغامرة العقل الاولى) فراس السواح ص 56 الطبعة التاسعة
وعن تغلغل الأسطورة السومرية عن المياه الازلية او الميلاد المائى للكون فى التراث الثقافى والدينى للمنطقة يقول الباحث فراس السواح:
" تثبت لنا هذه الاساطير السومرية تقاليد بقيت سائدة فى الفكر الاسطورى لحضارات المنطقة والحضارات الاخرى المجاورة. ففكرة الميلاد المائى تتكرر فيما بعد فى الاساطير البابلية التى تحكى عن ولادة الكون من المياه الاولى "تعامة" المقابلة ل " نمو" السومرية. وفى الاسطورة السورية نجد "يم" المياه الاولى وقد انتصر عليه الاله بعل وشرع بعد انتصاره تنظيم العالم. وفى الاسطورة المصرية كان " رع" اول اله يخرج من المياه الاولى وهو الذى انجب فيما بعد بقية الالهة . وفى الاسطورة الاغريقية نجد " اوقيانوس " هو المياه الاولى , والاله البدئى الذى نشأ عنه الكون. وفى التوراة العبرانية ايضا نجد المياه الاولى وروح الرب فوقها قبل التكوين " وكانت الارض خربة وخالية وروح الرب يرف فوق وجه الماء" التكوين 1 . كما اثبت لنا القرآن الكريم وهو نهاية الوحى الذى ابتدأ بسيدنا آدم وجود المياه البدئية اذ قال " وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على الماء " وقال " وجعلنا من الماء كل شئ حى" "
(مغامرة العقل الاولى) فراس السواح ص 36 الطبعة التاسعة
ومع ان الاسلام جاء بدعوة توحيدية فيها الله هو وحده الازلى , إلا ان هذه الاسطورة لم يقدر الاسلام الانفلات من تاثيرها الطاغى على العقل الشرقى. فقال القرآن ان الماء كان موجودا قبل الخلق او سابقا للخلق او انه المادة الاولى التى خلق منها كل شئ , وهذا اعتراف ضمنى بازليتها مع ان دعوة الاسلام التوحيدية المعلنة بجلاء فى كثير من الآيات تتنافى مع ذلك.
فلقد جاءت آيتين فى القرآن تكشفا عن تأثر الكاتب بالاعتقاد الاسطورى القديم بأزلية المياه أو انها اصل الوجود والحياه.
هود 7
وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على الماء
الانبياء 30
وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا يؤمنون
والدارس للاسلام بتراثه وتفاسيره يكتشف بوضوح تغلغل الفكرة الاسطورية فى ذهن محمد واتباعه ومفسرى القرآن.
فعن اعتقاد علماء المسلمين بوجود المياه قبل الخلق يقول تفسير الجلالين :
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام" أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة "وَكَانَ عَرْشه" قَبْل خَلْقهمَا "عَلَى الْمَاء" وَهُوَ عَلَى مَتْن الرِّيح "
ويقول ابن كثير فى تفسيره لاية هود 7
"يخبرنا تعالى عن قدرته على كل شئ وانه خلق السموات والارض فى ستة ايام
وان عرشه كان على المياه قبل ذلك " ج2 ص 418
ثم يورد ابن كثير حديثا للامام احمد ان محمدا قال
"كان الله قبل كل شئ وكان عرشه على الماء وكتب فى اللوح المحفوظ ذكر كل شئ"
نفس المرجع
وهذا الحديث ورد ايضا فى البخارى ومسلم. فالماء كان موجودا ومستقرا عليه عرش الله قبل ان يخلق الله شيئا . ويذكر ابن كثير انه جاء فى صحيح مسلم :
"عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال رسول الله:ان الله قدر مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة , وكان عرشه على الماء. " ج2 ص419
ويستمر ابن كثير فى عرض تفسير الصحابة والتابعين لهذه الاية فيقول:
"قال مجاهد {وكان عرشه على الماء} قبل ان يخلق شيئا , وكذا قال وهب بن منبه وضمرة وقتادة وابن جرير وغير واحد. وقال قتادة فى قوله {وكان عرشه على الماء} :ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل ان يخلق السموات والارض ... وقال محمد بن اسحاق فى قوله تعالى {هو الذى خلق ... وكان عرشه على الماء} : فكان كما وصف نفسه تعالى إذ ليس إلا الماء وعليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والاكرام. "
وجاء فى كتاب (الرسل والملوك) للطبري
"ان الله تعالى كان عرشه على الماء , ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء.فلما اراد ان يخلق الخلق اخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء , فسما عليه فسماه سماء , ثم ايبس الماء فجعله ارضا واحدة."
(عن (مغامرة العقل الاولى ) ص37 )
وجاء فى (الفتوحات المكية ) لابن عربى
"وكان عرشه على ذلك الماء قبل وجود الارض والسماء) ص37 - السابق
وفى حديث للامام احمد ما يثبت وجود المياه قبل الخلق حيث سئل محمد :
"اين كان ربنا قبل ان يخلق خلقه؟ قال (محمد) كان فى عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء" ( ابن كثير ج2 ص 419 )
ويعلق فراس السواح ص94 على معنى عماء فيذكر تعريف ابن عربى للعماء (الفتوحات المكية – القاهرة1972 ):
"العماء هو الغيم الرقيق الذى يحول بين الناظر وبين الشمس"
وهكذا نرى ان محمدا واتباعه ومفسرى القرآن اتفقوا جميعا على ان المياه كانت سابقة على خلق السموات والارض. ولا يختلف علماء المسلمين المعاصرين عن رأى القدماء من المسلمين . فمثلا فى الترجمة الانجليزية للقرآن للعلامة المسلم عبد الله يوسف على , ترجم الآية {وكان عرشه على الماء} هكذا
And his throne was over the waters
وجاء تعليقه فى الحاشية كالآتى
The past tense “was” refers to the time before life
developed in solid forms, on land and in air.(p.511)
وترجمته
"فعل {كان} فى زمن الماضى يشير الى الزمن قبل ان تتطور الحياة الى اشكال جامدة على الارض او فى الهواء."
ولذلك بعد كل تلك القرائن ليس غريبا ألا يجد فراس السواح حرجا فى الاعتراف بتأثر الاسلام ,كما تأثرت كافة الحضارات والمعتقدات القديمة , بأسطورة أزلية الماء والميلاد المائى للكون , يقول
"كما أثبت لنا القرآن الكريم وهو نهاية الوحى الذى ابتدأ بسيدنا آدم وجود المياه البدئية" ص 36
ويقول ايضا:
"كما أثبت القرآن الكريم فكرة الوجود السابق على الخلق عندما قال {وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة ايام وكان عرشه على الماء} سورة هود 6 . كما أشار محمد (ص) فى الحديث الشريف الى نفس الموضوع عندما اجاب عن سؤال : اين كان ربنا قبل ان يخلق الخلق؟ فقال :كان فى عماء." ص 94
*********************************
أسطورة إستواء الله على العرش
لله عرش ...
قالت بذلك الاديان السماوية عامة , والاسلام خاصة , وهذا العرش مستقرا على الماء البدئية التى سبقت الخلق كما اوضحنا
وهذا بيان بالآيات القرآنية التى ذكر فيها عرش الاله:
{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} الاعراف 54
{فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} التوبة 128
{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} يونس 3
{وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} هود7
{الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} الرعد 2
{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} الاسراء 42
{الرحمن على العرش استوى} طه 5
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} الانبياء 22
{قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم} المؤمنون 86
{فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} المؤمنون 116
{الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} الفرقان59
{الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} النمل 26
{الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} السجدة 4
{ وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} الزمر75
{ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} غافر 7
{رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق}
غافر 15
{سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون} الزخرف 82
{هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} الحديد 4
{والملك على أرجائها
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } الحاقة 17
{ذي قوة عند ذي العرش مكين} التكوير20
{ذو العرش المجيد} البروج 15
وخلاصة ما جاء بهذه الايات بشأن العرش نلاحظ الاتى:
1- بعد انتهاء الله من خلق السموات والارض قام بالاستواء على العرش { ثم استوى على العرش } , اى ان العرش كان موجودا قبل الخلق
2-وصف القرآن الله بالارتباط بالعرش مثل رب العرش العظيم و ذي العرش و الله رب العرش ورب العرش الكريم
3-كان عرش الله على الماء
4-يقول القرآن ان هناك ملائكة حاملة للعرش وملائكة تحيط به "الملائكة حافين من حول العرش " , و الذين يحملون العرش ومن حوله , بل ان القرآ ن يحدد عدد حملة العرش بثمانية : " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية "
إن هذه الآيات لطالما حيرت علماء المسلمين لما فيها من تصوير تجسيمى مادى للذات الالهية وإقرار من القرآن لبعض الافكار الحلولية والتجسيدية لله , تلك الافكار نفسها حاربها القرآن وسفهها فى العقائد الاخري.
فكان المسلمون حائرون , فبين ايديهم آيات قرآنية كثيرة تنزه الله عن المادة والتجسد والحلولية ( مثل آية : ليس كمثله شئ ) تتناقض مع آيات العرش التى جعلت من الله كائنا مجسما محدودا بحدود ذلك العرش المادى الذى يحمله ثمانية ملائكة. وكان من شدة حيرتهم , انهم اختلفوا فى تفسير ذلك ومنهم من امتنع عن تفسيرة بل ومنهم من حرم تفسيره , وليس ادل على ذلك من الحادثة المشهورة التى سجلتها كتب التاريخ الاسلامى من ان شخصا قام الخليفة عمر بن الخطاب بجلده لا لشئ إلا لانه سئل عن كيف استوى الله على العرش ! !
وغنى عن البيان قول معظم الفقهاء والائمة مقولتهم الشهيرة :
الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة !!
فكان على المسلم ان يؤمن باستواء الله على العرش دون ان يسأ ل عن الكيفية .
إن القرآن يصور لنا الله ككائن محدود على عرش محدود, تارة نجده سابحا على صفحة المياه , وتارة تحمله كائنات ملائكية محدودة , لا فرق بين هذه الصورة المادية وبين الصورة التى رسمتها الاساطير القديمة للآلهة والمعبودات الوثنية.
قلنا ان هذه الصورة تسربت الى الاسلام من الاساطير القديمة التى اقتبستها اليهودية اقدم الديانات الثلاثة , لكن ما هى مصدر تلك الاساطير تحديدا؟
وللاجابة على هذا السؤال , سنلقى بنظرة على الاسطورة المصرية الخاصة بالاله رع فتنجلى لنا الصورة واضحة.
فى مذهب وعقائد مدينة أون (عين شمس – هليوبوليس) كان الاعتقاد باصل الكون ونشأته يتلخص فى أنه فى البدء :
لم يوجد شئ إلا نون المياه الازلية الاولى .
وتؤكد هذه العقيدة على ان الاله رع لم يخلق من نون , وانما كان كامنا فيها وانه خلق نفسه بنفسه وكان يطلق عليه فى هذا المذهب لقب الموجود بذاته
(تاريخ الحضارة المصرية – تأليف نخبة من العلماء –مقالة سليم حسن ص 210 )
فحتى الان لم يوجد فى الوجود غير المياه الازلية و رع الازلى .فكيف كان رع مستقرا على هذه المياه؟
طرأ هذا السؤال على كهنة أون . ووجدوا اجابة مرضية فى قولهم ان رع
"وقف على حجر هرمى الشكل اطلق عليه المصريون لفظة بن بن , وهذا الشكل الهرمى قد اصبح منذ ذلك العهد رمزا مقدسا عند المصريين لاله الشمس"
(سليم حسن-المرجع السابق)
اى ان الاله وقف او قل جلس او استوي على ذلك الحجر المقدس الذى كانت المياه تحمله , وما الحجر هنا إلا بمثابة عرش للاله خاصة انه حجر مقدس .
وخلاصة هذه الاسطورة المصرية يمكن صياغتها بهذه العبارة الوجيزة وهى ان الاله رع:
كان حجره على الماء
وبلغة القرآن :
كان عرشه على الماء
وهناك تفسير آخر يمكن استخلاصه من اساطير رع الاخري غير تفسير العرش بالحجر المقدس.
فقد اعتقد المصريون منذ اقدم الاسرات كما جاء بالنقوش المصرية القديمة وفى متون الاهرامات ان إله الشمس رع يتجول كل يوم فى السماء فى سفينته , باعتبار ان السماء بحرا او مياه – تلك المياه الاولى الابدية التى صار نصفها الاعلى سماءا ونصفها الاسفل ارضا – وهنا نرى العلاقة العضوية بين المياه والسفينة , وهذه الصورة يمكن تلخيصها فى العبارة :
رع كانت سفينته على الماء
وبما ان رع هو الاله العظيم . فمن متطلبات الالوهية ان يكون له عرشا عظيما , فكانت السفينة هى العرش الالهى العظيم الذى يحمل الاله أو يستوى عليه الاله على الماء.
فاذا انتقلنا الى تصوير القرآن لله بان { كان عرشه على الماء } يتضح لنا مدى تغلغل هذه الاسطورة فى الفكر الاسلامى . فالعرش هنا له نفس خصائص السفينة من حيث ان المياه كانت تحمله , لكن الآية استبدلت السفينة بالعرش وذلك لان الديانة الجديدة لا تؤمن بان الشمس هى الله , فلماذا الابقاء على السفينة التى كانت تحمل الاله الشمس؟
فنقل الاسلام اصل ومضمون الاسطورة المصرية الموغلة فى القدم من ان الاله كان يحمل على المياه (استوى عليها) , ليس على سفينة وانما على عرش عظيم يليق بجلاله الملوكى.
وهكذا رأينا بالتحليل والدراسة كيف انتقلت للاديان الشرقية الاساطير القديمة , كما القينا الضوء على احتواء الاية { كان عرشه على الماء } على اسطورتين من اقدم الاساطير الشرقية , اسطورة المياه البدئية الموجودة قبل خلق السموات والارض , واسطورة العرش الالهى العظيم السابح على هذه المياه بما تحتويه هذه الصورة من تجسيد للاله وتحديد له على غرار آلهة الشعوب والحضارات القديمة .
الكاتب: سواح
هذه الصور التى رسمتها ريشة مؤسسى الاديان الشرقية الابراهيمية مأخوذة ومنقولة ومستوحاه من الاساطير القديمة التى ترجع لالاف السنين قبل ظهور الاديان.
فاقدم الديانات الشرقية ( اليهودية ) تروى لنا اسفارها المقدسة ان لله عرش او كرسى جالس عليه منذ القدم , وان هذا العرش تحمله ملائكة مجنحة ويقف امامه جنود السماء عن يميبنه وعن يساره :
قد رايت الرب جالسا على كرسيه و كل جند السماء وقوف لديه عن يمينه و عن يساره (الملوك الأول 22 : 19)
الرب في هيكل قدسه الرب في السماء كرسيه عيناه تنظران اجفانه تمتحن بني ادم (مزمور 11 : 4)
كرسيك يا الله الى دهر الدهور قضيب استقامة قضيب ملكك (مزمور 45 : 6)
كرسيك مثبتة منذ القدم منذ الازل انت (مزمور 93 : 2)
الرب في السماوات ثبت كرسيه و مملكته على الكل تسود (مزمور 103 : 19)
في سنة وفاة عزيا الملك رايت السيد جالسا على كرسي عال و مرتفع و اذياله تملا الهيكل (إشعياء 6 : 1)
كما يخبرنا حزقيال كيف رأى الله " الاله اليهودى " جالسا على عرش او كرسى تحمله مجموعة من " الكروبيم " وهى الملائكة المجنحة , ففى ثنايا الحديث عن الملائكة المجنحة ( الكروب ) , تلخص لنا دائرة المعارف الكتابية هذه الفكرة تحت مادة : كروب
" وكانت هذه المخلوقات تحمل عرش الله ( حز 1: 26-28 و 9: 3 ) وقد وصف يوحنا الرائي في سفر الرؤيا أربعة كائنات حيّة لها وجوه شبيهة بالأربعة الأوجه المذكورة آنفاً ( رؤيا 4: 6 و 7 ). وقد ظن بعضهم أن الكروبيم كانت تشبه تماثيل أبي الهول المجنحة في مصر وفينيقيا والثيران المجنحة في بابل وأشور. "
ويقول الكتاب المقدس تحت نفس المادة :
" وفي رؤيا حزقيال (حز 1 :26، 10:110 : 1) كان الله يجلس فوق العرش الذي كان على المقبب الذي كان على رؤوس الكروبيم محمولاً على أجنحتها. "
وبعد مئات السنين من اليهودية جاءت المسيحية ونقلت لنا نفس الصورة فيروى لنا كتبة العهد الجديد ان لله ( الآب ) عرش جالس عليه , وان يسوع ( الابن ) يجلس على يمين العرش , وان ملائكة وبشر وحيوانات تقف امام العرش :
و من حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله و بالجالس عليه (متى 23 : 22)
ناظرين الى رئيس الايمان و مكمله يسوع الذي من اجل السرور الموضوع امامه احتمل الصليب مستهينا بالخزي فجلس في يمين عرش الله (العبرانيين 12 : 2)
يوحنا الى السبع الكنائس التي في اسيا نعمة لكم و سلام من الكائن و الذي كان و الذي ياتي و من السبعة الارواح التي امام عرشه (الرؤيا 1 : 4)
من يغلب فساعطيه ان يجلس معي في عرشي كما غلبت انا ايضا و جلست مع ابي في عرشه (الرؤيا 3 : 21)
و حينما تعطي الحيوانات مجدا و كرامة و شكرا للجالس على العرش الحي الى ابد الابدين (الرؤيا 4 : 9)
و نظرت و سمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش و الحيوانات و الشيوخ و كان عددهم ربوات ربوات و الوف الوف (الرؤيا 5 : 11)
و كل خليقة مما في السماء و على الارض و تحت الارض و ما على البحر كل ما فيها سمعتها قائلة للجالس على العرش و للخروف البركة و الكرامة و المجد و السلطان الى ابد الابدين (الرؤيا 5 : 13)
و جميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش و الشيوخ و الحيوانات الاربعة و خروا امام العرش على وجوههم و سجدوا لله (الرؤيا 7 : 11)
وبعد سبعة قرون من المسيحية ( اى منذ حوالى 1400 سنة ) جاء الاسلام ونقل بدوره نفس الصورة القديمة فقال ان لله عرش , وهذا العرش استوى عليه الاله , وان عرشه تحملة ملائكة مجنحة تارة وتحمله صفحة المياه تارة اخرى , وملائكة مجنحة تحيط بالعرش الالهى :
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء هود 7
والهدف من هذا البحث هو ان نجد اجابة علمية على هذا السؤال :
من اين انتقلت هذه الفكرة الى الاديان الثلاثة , خاصة اليهودية والتى انتقلت عنها الى المسيحية والاسلام ؟
وما اقدمه الان هو نتيجة بحث وتنقيب فى الاصول الاسطورية السومرية والبابلية والمصرية القديمة التى ذكرت ان لله عرش , وانه استوى على ذلك العرش , وان عرشه كان على الماء. وأحاول ان أبين ان هذه الافكار الاسطورية انتقلت لليهودية , ومن اليهودية انتقلت للمسيحية والاسلام
مقدمة
لامفر لأي دعوة دينية جديدة من أن تصيغ نفسها على أساس من العقائد والاساطيرالقديمة حتى لو أنكرت صلتها بتلك العقائد والاساطير القديمة .
يبدو أن هذه الحقيقة كانت سارية على جميع المعتقدات والأديان. فصاحب الديانة الأحدث نشأ , وتأثر ثقافيا ببيئته وما تحتويه من أفكار وعقائد واساطير , منها ما يوافق ويتناغم مع استعداداته العقلية والروحية والنفسية, ومنها ما لا يستسيغه ويفجه وما يراه متعارضا مع العقل أو الذوق أو الحس .من هذه العقائد ما يراه لائقا بالإله , ومنها مالا يحب أو يرضاه على معبوده . فيأخذ على كاهله مسئولية إصلاح ما يراه قد فسد وضل عن سواء السبيل.
وخلاصة القول أن الديانة الأحدث , بالرغم مما تزعمه من مزاعم , تأخذ التراث الدينى الأسبق وتصيغه من جديد مع ما يلزم من إضافات جديدة تتناسب مع المستجدات والتراكمات الفكرية المتجددة, وما يلزم من حذف ما استهجنته الطبيعة الدينية من عناصر عقائدية بالية بدائية.
انطبق هذا على العبرانيين حيث تاثروا بالتراث الدينى للمنطقة فكانت ديانتهم عبارة عن دمج لما استحسنوه من عقائد واساطيرالامم التى هاجروا اليها (مثل مصر) والامم التى احتلوا اراضيها بالسيف ( مثل الكنعانيين والفلسطينيين وغيرهم.) والامم التى عاشوا فيها فى ايام سبيهم (مثل بابل وآشور والفرس).
كما انطبق هذا على الديانة المسيحية التى أسست معظم عقائدها على اليهودية وعلى كتابها المقدس فضمته الى اسفارها المقدسة , وبطبيعة الحال نقلت منها وعدلت من تعاليمها واضافت لها ما يتفق مع التطور الفكرى والعقائدى والفلسفى لعصرها.
وبالمثل جاء الاسلام وبنى دعائمه على القصص والاساطير والعقائد والطقوس التوراتية والمسيحية وبعض العقائد والمذاهب الاخرى التى كانت منتشرة فى الجزيرة العربية . فترى القرآن ينقل ما جاء فى الاديان السابقة له نقلا حرفيا فى بعض الاحيان ,ويعدل فى ما يراه غير مناسب او لائق بالدين الجديد فى احيان اخرى , وتراه ايضا يرفض وينتقد من العقائد السابقة ما اختلف اصحاب تلك العقائد فيه او ما اصبح غير مقبول فى زمنٍ زادت فيه المعرفة واتسعت فيه الاراء والافكار الدينية وتراكمت فيه كافة المذاهب.
ولقد حاول العلامة اليهودى جيجر Geiger الوصول الى مصدر هذه الاسطورة الاسلامية وتوصل الى ان هذه الفكرة جاءت فى تفسيرات اليهود القديمة للتوراة , فيقول فى كتابه : اليهودية والاسلام
Judaism and islam , by Geiger , SECOND DIVISION , CHAPTER ONE , Second part , Views borrowed from Judaism :
During the creation, however, His throne was upon the waters.4 This idea also is borrowed from the Jews, who say:5 "The throne of glory then stood in the air, and hovered over the waters by the command of God." This is somewhat more clearly expressed by Elpherar who says: "And this water was in the middle of the air."6
الترجمة :
" واثناء الخلق كان عرشه على الماء , وهذه الفكرة ( الاسلامية ) مقتبسة من اليهود الذين قالوا : وقف عرش المجد حينئذ فى الهواء وتأرجح على صفحة المياه بامر الاله "
واستند العلامة المسيحى كلير تسدال CLAIR TISDAL على ما ذكره جيجر , فيقول فى كتابه : المصادر الاصليه للقرآن
THE ORIGINAL SOURCES OF THE QUR'AN by CLAIR TISDAL ch 3
"ان المفسر رابى شلومو يتسحاقى ( راشى) وهو من كبار المفسريين اليهود جاء فى تفسيره للتكوين 1 : 2 قال:
إن العرش المجيد استقر في الهواء، وعام على المياه "
In Surah XI., Hud, 9, in reference to God's throne it is said that, before the creation of the heavens and the earth 65, "His Throne was above the water," in the air'. So also, in commenting on Gen. i. 2, the Jewish commentator Rashi, embodying a well-known Jewish tradition, writes thus: "The Throne of Glory stood in the air and brooded over the waters"
لقد حاول كلا من جيجر ( الحبر اليهودى ) وتسدال( العلامة المسيحى )ارجاع ما جاء فى الاسلام عن عرش الله الذى كان على الماء الى اصول يهودية , وهذا جزء من الحقيقة وليس الحقيقة كاملة . لكنهما لم يبحثا عن المصادر التى اخذ منها اليهود بدورهم تلك الاسطورة .
اسطورة ازلية الماء
قبل ظهور الاديان بالاف السنين وجدت الاساطير القديمة التى حاولت ان تقدم تفسيرا للوجود ونشأة الكون
من خلق هذا الكون ؟
وكيف خلقه ؟
ومن اى شئ خلقه؟
ولماذا خلقه ؟
وانتهى الفكر الاسطورى عند السومريين وهم اقدم الحضارات فى المنطقة الى ان الماء هو اصل الوجود والحياة
ومن الماء خرجت الحياة وعمرت الارض والسماء.
يقول الباحث العراقى د. فاضل على عبد الواحد ملخصا الاعتقاد السومرى:
"1 – فى البدء كانت مياه البحر , (فى السومرية الإلهه نمو Nammu ) والارجح ان السومريين تصوروا ان المياه هذه كانت ازلية.
2 – من مياه البحر الازلية هذه ولد جبل كونى يمثل السماء والارض متحدتين : السماء ( فى السومرية An , وعدت عنصرا مذكرا ) , والارض ( Ki عنصرا مؤنثا ).
3 – نتيجة لاتحاد السماء والارض ولد إله الهواء "أنليل ".
4 – أن الاله أنليل فصل السماء عن الارض , فحمل أبوه An السماء , وحمل هو الارض.
5 – بعد أن تم فصل السماء عن الارض , وتم خلق الكواكب والنجوم , ظهرت معالم الحياة على الارض. "
(من سومر الى التوراة) د. فاضل عبد الواحد على , ص 194 سينا للنشر.
ولقد انتقلت هذه الاسطورة الخاصة بأزلية الماء الى الحضارة البابلية فى قصة الخلق البابلية المعروفة باسم (اينوما ايليش) ,
يقول د. فاضل
" هنا نجد ايضا انه لم يكن فى البدء سوى المياه الازلية " أبسو" ( المياه العذبة , مذكر) وتيامة ( المياه المالحة , مؤنث).
وانه من امتزاجهما ولد الجيل الاول من الالهة... .....
هنا فى اسطورة الخليقة البابلية , نجد ايضا أن المياه كانت أصل الوجود , وان السماء والارض تكونتا , على غرار المعتقدات السومرية , نتيجة انشطار جسد تيامة ( المياه المالحة) الى شطرين على يد مردوخ."
(من سومر الى التوراة) د. فاضل عبد الواحد على , ص 194 سينا للنشر.
وتبدأ اسطورة الخلق البابلية اينوما ايليش مؤكدة على ازلية الماء فتقول:
"عندما فى الاعالى لم تكن سماء
وفى الاسفل لم يكن ارض
لم يكن ( من الالهة ) سوى آبسو أبوهم
وممو , وتعامة التى حملت بهم جميعا
يمزجون أمواههم (جمع ماء) معا ..."
(مغامرة العقل الاولى) فراس السواح ص 56 الطبعة التاسعة
وعن تغلغل الأسطورة السومرية عن المياه الازلية او الميلاد المائى للكون فى التراث الثقافى والدينى للمنطقة يقول الباحث فراس السواح:
" تثبت لنا هذه الاساطير السومرية تقاليد بقيت سائدة فى الفكر الاسطورى لحضارات المنطقة والحضارات الاخرى المجاورة. ففكرة الميلاد المائى تتكرر فيما بعد فى الاساطير البابلية التى تحكى عن ولادة الكون من المياه الاولى "تعامة" المقابلة ل " نمو" السومرية. وفى الاسطورة السورية نجد "يم" المياه الاولى وقد انتصر عليه الاله بعل وشرع بعد انتصاره تنظيم العالم. وفى الاسطورة المصرية كان " رع" اول اله يخرج من المياه الاولى وهو الذى انجب فيما بعد بقية الالهة . وفى الاسطورة الاغريقية نجد " اوقيانوس " هو المياه الاولى , والاله البدئى الذى نشأ عنه الكون. وفى التوراة العبرانية ايضا نجد المياه الاولى وروح الرب فوقها قبل التكوين " وكانت الارض خربة وخالية وروح الرب يرف فوق وجه الماء" التكوين 1 . كما اثبت لنا القرآن الكريم وهو نهاية الوحى الذى ابتدأ بسيدنا آدم وجود المياه البدئية اذ قال " وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على الماء " وقال " وجعلنا من الماء كل شئ حى" "
(مغامرة العقل الاولى) فراس السواح ص 36 الطبعة التاسعة
ومع ان الاسلام جاء بدعوة توحيدية فيها الله هو وحده الازلى , إلا ان هذه الاسطورة لم يقدر الاسلام الانفلات من تاثيرها الطاغى على العقل الشرقى. فقال القرآن ان الماء كان موجودا قبل الخلق او سابقا للخلق او انه المادة الاولى التى خلق منها كل شئ , وهذا اعتراف ضمنى بازليتها مع ان دعوة الاسلام التوحيدية المعلنة بجلاء فى كثير من الآيات تتنافى مع ذلك.
فلقد جاءت آيتين فى القرآن تكشفا عن تأثر الكاتب بالاعتقاد الاسطورى القديم بأزلية المياه أو انها اصل الوجود والحياه.
هود 7
وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على الماء
الانبياء 30
وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا يؤمنون
والدارس للاسلام بتراثه وتفاسيره يكتشف بوضوح تغلغل الفكرة الاسطورية فى ذهن محمد واتباعه ومفسرى القرآن.
فعن اعتقاد علماء المسلمين بوجود المياه قبل الخلق يقول تفسير الجلالين :
"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام" أَوَّلهَا الْأَحَد وَآخِرهَا الْجُمُعَة "وَكَانَ عَرْشه" قَبْل خَلْقهمَا "عَلَى الْمَاء" وَهُوَ عَلَى مَتْن الرِّيح "
ويقول ابن كثير فى تفسيره لاية هود 7
"يخبرنا تعالى عن قدرته على كل شئ وانه خلق السموات والارض فى ستة ايام
وان عرشه كان على المياه قبل ذلك " ج2 ص 418
ثم يورد ابن كثير حديثا للامام احمد ان محمدا قال
"كان الله قبل كل شئ وكان عرشه على الماء وكتب فى اللوح المحفوظ ذكر كل شئ"
نفس المرجع
وهذا الحديث ورد ايضا فى البخارى ومسلم. فالماء كان موجودا ومستقرا عليه عرش الله قبل ان يخلق الله شيئا . ويذكر ابن كثير انه جاء فى صحيح مسلم :
"عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال رسول الله:ان الله قدر مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والارض بخمسين الف سنة , وكان عرشه على الماء. " ج2 ص419
ويستمر ابن كثير فى عرض تفسير الصحابة والتابعين لهذه الاية فيقول:
"قال مجاهد {وكان عرشه على الماء} قبل ان يخلق شيئا , وكذا قال وهب بن منبه وضمرة وقتادة وابن جرير وغير واحد. وقال قتادة فى قوله {وكان عرشه على الماء} :ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل ان يخلق السموات والارض ... وقال محمد بن اسحاق فى قوله تعالى {هو الذى خلق ... وكان عرشه على الماء} : فكان كما وصف نفسه تعالى إذ ليس إلا الماء وعليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والاكرام. "
وجاء فى كتاب (الرسل والملوك) للطبري
"ان الله تعالى كان عرشه على الماء , ولم يخلق شيئا غير ما خلق قبل الماء.فلما اراد ان يخلق الخلق اخرج من الماء دخانا فارتفع فوق الماء , فسما عليه فسماه سماء , ثم ايبس الماء فجعله ارضا واحدة."
(عن (مغامرة العقل الاولى ) ص37 )
وجاء فى (الفتوحات المكية ) لابن عربى
"وكان عرشه على ذلك الماء قبل وجود الارض والسماء) ص37 - السابق
وفى حديث للامام احمد ما يثبت وجود المياه قبل الخلق حيث سئل محمد :
"اين كان ربنا قبل ان يخلق خلقه؟ قال (محمد) كان فى عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء" ( ابن كثير ج2 ص 419 )
ويعلق فراس السواح ص94 على معنى عماء فيذكر تعريف ابن عربى للعماء (الفتوحات المكية – القاهرة1972 ):
"العماء هو الغيم الرقيق الذى يحول بين الناظر وبين الشمس"
وهكذا نرى ان محمدا واتباعه ومفسرى القرآن اتفقوا جميعا على ان المياه كانت سابقة على خلق السموات والارض. ولا يختلف علماء المسلمين المعاصرين عن رأى القدماء من المسلمين . فمثلا فى الترجمة الانجليزية للقرآن للعلامة المسلم عبد الله يوسف على , ترجم الآية {وكان عرشه على الماء} هكذا
And his throne was over the waters
وجاء تعليقه فى الحاشية كالآتى
The past tense “was” refers to the time before life
developed in solid forms, on land and in air.(p.511)
وترجمته
"فعل {كان} فى زمن الماضى يشير الى الزمن قبل ان تتطور الحياة الى اشكال جامدة على الارض او فى الهواء."
ولذلك بعد كل تلك القرائن ليس غريبا ألا يجد فراس السواح حرجا فى الاعتراف بتأثر الاسلام ,كما تأثرت كافة الحضارات والمعتقدات القديمة , بأسطورة أزلية الماء والميلاد المائى للكون , يقول
"كما أثبت لنا القرآن الكريم وهو نهاية الوحى الذى ابتدأ بسيدنا آدم وجود المياه البدئية" ص 36
ويقول ايضا:
"كما أثبت القرآن الكريم فكرة الوجود السابق على الخلق عندما قال {وهو الذى خلق السموات والارض فى ستة ايام وكان عرشه على الماء} سورة هود 6 . كما أشار محمد (ص) فى الحديث الشريف الى نفس الموضوع عندما اجاب عن سؤال : اين كان ربنا قبل ان يخلق الخلق؟ فقال :كان فى عماء." ص 94
*********************************
أسطورة إستواء الله على العرش
لله عرش ...
قالت بذلك الاديان السماوية عامة , والاسلام خاصة , وهذا العرش مستقرا على الماء البدئية التى سبقت الخلق كما اوضحنا
وهذا بيان بالآيات القرآنية التى ذكر فيها عرش الاله:
{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} الاعراف 54
{فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم} التوبة 128
{إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون} يونس 3
{وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} هود7
{الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون} الرعد 2
{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} الاسراء 42
{الرحمن على العرش استوى} طه 5
{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون} الانبياء 22
{قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم} المؤمنون 86
{فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم} المؤمنون 116
{الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا} الفرقان59
{الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم} النمل 26
{الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون} السجدة 4
{ وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين} الزمر75
{ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم} غافر 7
{رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق}
غافر 15
{سبحان رب السماوات والأرض رب العرش عما يصفون} الزخرف 82
{هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير} الحديد 4
{والملك على أرجائها
ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } الحاقة 17
{ذي قوة عند ذي العرش مكين} التكوير20
{ذو العرش المجيد} البروج 15
وخلاصة ما جاء بهذه الايات بشأن العرش نلاحظ الاتى:
1- بعد انتهاء الله من خلق السموات والارض قام بالاستواء على العرش { ثم استوى على العرش } , اى ان العرش كان موجودا قبل الخلق
2-وصف القرآن الله بالارتباط بالعرش مثل رب العرش العظيم و ذي العرش و الله رب العرش ورب العرش الكريم
3-كان عرش الله على الماء
4-يقول القرآن ان هناك ملائكة حاملة للعرش وملائكة تحيط به "الملائكة حافين من حول العرش " , و الذين يحملون العرش ومن حوله , بل ان القرآ ن يحدد عدد حملة العرش بثمانية : " ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية "
إن هذه الآيات لطالما حيرت علماء المسلمين لما فيها من تصوير تجسيمى مادى للذات الالهية وإقرار من القرآن لبعض الافكار الحلولية والتجسيدية لله , تلك الافكار نفسها حاربها القرآن وسفهها فى العقائد الاخري.
فكان المسلمون حائرون , فبين ايديهم آيات قرآنية كثيرة تنزه الله عن المادة والتجسد والحلولية ( مثل آية : ليس كمثله شئ ) تتناقض مع آيات العرش التى جعلت من الله كائنا مجسما محدودا بحدود ذلك العرش المادى الذى يحمله ثمانية ملائكة. وكان من شدة حيرتهم , انهم اختلفوا فى تفسير ذلك ومنهم من امتنع عن تفسيرة بل ومنهم من حرم تفسيره , وليس ادل على ذلك من الحادثة المشهورة التى سجلتها كتب التاريخ الاسلامى من ان شخصا قام الخليفة عمر بن الخطاب بجلده لا لشئ إلا لانه سئل عن كيف استوى الله على العرش ! !
وغنى عن البيان قول معظم الفقهاء والائمة مقولتهم الشهيرة :
الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة !!
فكان على المسلم ان يؤمن باستواء الله على العرش دون ان يسأ ل عن الكيفية .
إن القرآن يصور لنا الله ككائن محدود على عرش محدود, تارة نجده سابحا على صفحة المياه , وتارة تحمله كائنات ملائكية محدودة , لا فرق بين هذه الصورة المادية وبين الصورة التى رسمتها الاساطير القديمة للآلهة والمعبودات الوثنية.
قلنا ان هذه الصورة تسربت الى الاسلام من الاساطير القديمة التى اقتبستها اليهودية اقدم الديانات الثلاثة , لكن ما هى مصدر تلك الاساطير تحديدا؟
وللاجابة على هذا السؤال , سنلقى بنظرة على الاسطورة المصرية الخاصة بالاله رع فتنجلى لنا الصورة واضحة.
فى مذهب وعقائد مدينة أون (عين شمس – هليوبوليس) كان الاعتقاد باصل الكون ونشأته يتلخص فى أنه فى البدء :
لم يوجد شئ إلا نون المياه الازلية الاولى .
وتؤكد هذه العقيدة على ان الاله رع لم يخلق من نون , وانما كان كامنا فيها وانه خلق نفسه بنفسه وكان يطلق عليه فى هذا المذهب لقب الموجود بذاته
(تاريخ الحضارة المصرية – تأليف نخبة من العلماء –مقالة سليم حسن ص 210 )
فحتى الان لم يوجد فى الوجود غير المياه الازلية و رع الازلى .فكيف كان رع مستقرا على هذه المياه؟
طرأ هذا السؤال على كهنة أون . ووجدوا اجابة مرضية فى قولهم ان رع
"وقف على حجر هرمى الشكل اطلق عليه المصريون لفظة بن بن , وهذا الشكل الهرمى قد اصبح منذ ذلك العهد رمزا مقدسا عند المصريين لاله الشمس"
(سليم حسن-المرجع السابق)
اى ان الاله وقف او قل جلس او استوي على ذلك الحجر المقدس الذى كانت المياه تحمله , وما الحجر هنا إلا بمثابة عرش للاله خاصة انه حجر مقدس .
وخلاصة هذه الاسطورة المصرية يمكن صياغتها بهذه العبارة الوجيزة وهى ان الاله رع:
كان حجره على الماء
وبلغة القرآن :
كان عرشه على الماء
وهناك تفسير آخر يمكن استخلاصه من اساطير رع الاخري غير تفسير العرش بالحجر المقدس.
فقد اعتقد المصريون منذ اقدم الاسرات كما جاء بالنقوش المصرية القديمة وفى متون الاهرامات ان إله الشمس رع يتجول كل يوم فى السماء فى سفينته , باعتبار ان السماء بحرا او مياه – تلك المياه الاولى الابدية التى صار نصفها الاعلى سماءا ونصفها الاسفل ارضا – وهنا نرى العلاقة العضوية بين المياه والسفينة , وهذه الصورة يمكن تلخيصها فى العبارة :
رع كانت سفينته على الماء
وبما ان رع هو الاله العظيم . فمن متطلبات الالوهية ان يكون له عرشا عظيما , فكانت السفينة هى العرش الالهى العظيم الذى يحمل الاله أو يستوى عليه الاله على الماء.
فاذا انتقلنا الى تصوير القرآن لله بان { كان عرشه على الماء } يتضح لنا مدى تغلغل هذه الاسطورة فى الفكر الاسلامى . فالعرش هنا له نفس خصائص السفينة من حيث ان المياه كانت تحمله , لكن الآية استبدلت السفينة بالعرش وذلك لان الديانة الجديدة لا تؤمن بان الشمس هى الله , فلماذا الابقاء على السفينة التى كانت تحمل الاله الشمس؟
فنقل الاسلام اصل ومضمون الاسطورة المصرية الموغلة فى القدم من ان الاله كان يحمل على المياه (استوى عليها) , ليس على سفينة وانما على عرش عظيم يليق بجلاله الملوكى.
وهكذا رأينا بالتحليل والدراسة كيف انتقلت للاديان الشرقية الاساطير القديمة , كما القينا الضوء على احتواء الاية { كان عرشه على الماء } على اسطورتين من اقدم الاساطير الشرقية , اسطورة المياه البدئية الموجودة قبل خلق السموات والارض , واسطورة العرش الالهى العظيم السابح على هذه المياه بما تحتويه هذه الصورة من تجسيد للاله وتحديد له على غرار آلهة الشعوب والحضارات القديمة .
الكاتب: سواح
المصدر: شبكة اللادينيين العرب
13 تعليق(ات):
لماذا لم ياتي على فكر ابي لهب ان يدخل في دين الاسلام فيظهر كذب القران وامثاله كثير هم في النار
محاولة نقدية أرجو تقبلها بصدر رحب :
أولا أشكرك على التحليل المتزن و عرض واف ، من حيث المبدأ نعتبر نحن المسلمون أن كافة الديانات تنبع من أصل و احد و لذلك و حتى لو وجدنا تشابهات بين الإسلام و المسيحية و اليهودية في موضوع العرش و الماء فهذا لا يعتبر دليلا على بطلان الديانة.
ثانيا ، كمسلم أحاول ايجاد تفسير منطقي للآية ، أجادل بأن الماء ربما ليس هو الماء الذي نعرفه H2O بل ربما هو تعبير عن حالة ال Plasma للمادة قبل بدء عمليات الخلق ، في هذه الحالة أنا لست معنيا بتفسيرات العلماء للماء من العصور الوسطى لأنهم كانو غير مؤهلين لفهم المعنى ، نحن نعتبر أن الله يترك بعض الآيات بمعان مفتوحة لا تفهمها بعض الأجيال و تفهمها أجيال لاحقة.
أوافقك بأن موضوع العرش سبب الكثير من اللغط ولكني شخصيا أجد بساطة في قبول مبدأ : ما هو الإستواء أصلا و ما هو الهدف من الآية ؟ هل الاستواء على العرش يعني التمكن من الملكوت مثلا و الامر مجرد تشبيه ؟ ربما ..
بعيدا عن التقديس المرضي فأنا أرى أن عمر بن الخطاب شخص متزن نوعا ما بدليل حكم رشيد و عدم استخلاف ولد بعده ، أظن أن ضربه لمن سأل عن الاستخلاف لا يعود لماهية السؤال بل للغرض من السؤال ، ربما كان الشخص يسأل بطريقة خبيثة و نواياه مفضوحة و هي ليست التساؤل بغرض العلم بل بغرض الفتنة ، و عمر لن يتركه في حاله في هذه الحالة.
على كل حال، لو لم تكن لي تساؤلاتي الخاصة و نقاط استفهامي لم أكن لأدخل لهذه الصفحة و أقرأ ما كتبته.
إلا أن خلاصتي الحالية مما قرأت هو أن ما سبق ليس دليل طعن نهائي في الدين و ربما الأمر يحتمل عدة تفسيرات كيفما تنظر إليه
و يسعدني النقاش مع أشخاص يعملون عقلهم بكل شيء و لا يمشون ضمن القطيع
في الحقيقة الواضحة ان الأديان السماوية لها أصلان مهمان وأن الديانة المسيحية خاصة منها لها أصل ثالث ولها دليل تاريخي من كتبهم المقدسة فلما لا عندما خرج أبراهيم مؤمن بالأله إيل حبيب البشر أنذاك وأختاره خاصة لحب البشر له عن باقى الألهة وحاملا معه بعض الأساطير السومرية ذهب لمصر وأعجبه الختان فامر به وذاد من عند المصريين على دينه ولا شك عند كل المؤمنون بتلك الأديان في مجئ أبراهيم إلى مصر وذاد اليهود وأغترفوا من من الحضارة البابلية من قصة موشيز موسى بعد التحريف وقصة شق البحر والطاعون وسفينة نوح أحدى الأساطير البابلية وهكذا حتى البهائة أم الأصل الثالث للمسيحية فهي فلسفة الأغريق بل الأغريق أنفسهم
(هذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) < لقمان 11>
من رأي الإسلامي طبعاوهو أن الله خلق آدم وعلمه وتاب عليه تبقى فكرة الألوهية ثابتة في الفكر الإنساني ومستمرة معه رغم اختلاف العصور بل وربما تباعدها كما في شأن الرسل والرسالات.فبالنسبة لي الدين أسبق من الخرافة بحكم إيماني بأسبقية آدم.وعليه فكل الأساطير هي تحريف للأديان أو نسج أو نسخ على منوالها والديانات السماوية بحكم مصدرها الله لا اختلاف فيها .إلا من تحريفات بشرية ذات أغراض ...ولكن مادام آدم رسولا فالين سبق الأسطورة...
ما اروع هذا البحث وما افضحه من دين سماوي مسروق
الأديان كلها خرافات في خرافات الأعمى فقط والغببي هو الذي لا يستطيع أن يرى هذا بوضوح
لكن من قال لك ان هذه الاساطير لم تكن محرفة و ان الاصل كان الاله الذي فعلا كان عرشه على الماء و ليس اله الشمس راع و الاسلام يعترف بالديانات السابقة من غير اليهودية و المسيحية لربما كانت ديانات تحمل فكرة العرش فوق الماء و ان الماء هو اصل الحياة فكان تحريفها مع الزمن لتؤخد صفات لم تكن من قبل
الى السيد سواح الملحد العجيب والباحث الغريب تحية طيبه مني وليس من الله.
أما بعد يبدوا من خلال بحثك اللاواسع والعقيدة التي تراها صحيحة انك قد قدمت للناس اساطير يراهااصحاب الاديان السماوية اي الكتابيين عموما هي معتقدات وثنية.نعم لاينكر الانسان المثقف هنالك بعض اوجه التقارب بين ماجاء في الكتب السماويةوماتركت الآثار من ألواح ورسوم واختام يسطر بهامختلف الاساطبر والآف الاسماءللآله.ولاكن السؤال هنا من أين جأوا هؤلآء الحضارات الغابرة بهذه القصص والافكار واعتقدوهاولماذا؟
ومن تركها لهم اهي اخبار عن ثقات كانوا قبلهم ثم تناقلت بتغيير مما تهوى النفس كما يحدث الآن في زماننا من تضارب في أحداث التاريخ ثم بعد ذالك أتخذت مسارها الوثني والتجسيدي للخالق ام انها خيالات ابتدعوها كما تعتقد انت ومن مثلك فاذا كانت كما تظن فيالها من خيالات قد شكلت اروع واقوى الحظارات التي شهدتها البشريه عبر العصور.
ثم انك تعتقد ليس هنالك اله ولاآله فكيف تستنجد بالوثنية على الكتابية فأنك كما يبدوا غير معتقد بألطرفين فالاجدر ان تترك بحوثك لنفسك ولاتطرحها للناس لانه ليس هنالك عاقل يريد ان تعتقد ما تعتقده انت.
لااريد ان اغرقك بعلم انت لست اهلا له ايها الملحد كما كان فعلا الكون غارقا في ماء وعرشه تعالى عليه مستوي , وصدق الله العظيم.
لكن اصرفك كما تصرف الشاة الشاردة عن القطيع الى حيث الماء عساها تروي ضمأها.
اي انك عطشان والماء هو الدواء وشربه هو الشفاء , اوليس الماء هاهنا مهم الى حد ان غيابه الموت الحقيقي؟
اليس الماء حياة كل شيء ؟
اليس الماء هو من ميز الارض عن سائر اجرام السماء ؟
اليس الماء كله امان ويذهب باللا أمان؟
اليس الماء يشمل جل سطح الارض من اليابسة ؟
اليس الماء شمل حتى جناة الميعاد بقوله تعالى تجري تحتها الانهار ؟
اليس الماء هو الممثل للفساح في الكون اذا علمنا ان عرش الله الآن هو مستوي على السماوات فتكون السماوات حلت محل الماء الذي كان عليه عرش ربنا مستوي , والسماوات هي الفساح ؟
فاذا كان عرش الله تعالى من قبل على الماء والآن هو اعلى السماوات فان الفهم يدرك ان الماء هو صورة اخرى في الكون وهي اكبر وجودا من غيرها الذي هو اجرام السماء من نجوم وكواكبا وغيرها , مما يجعل الماء فيه من الاسرار ما يشمل فهمها معرفة اسرار كل الكون وما فيه .
ولذلك اليس مهما خبر ان عرشه تعالى كان على الماس من قبل وهوقوله تعالى - وكان عرشه على الماء ليبلوكم ايكم احسن عملا- اي انه تعالى قدر اقدار كل شيء على مادة اصلها الماء الذي تعرفونه لأجل ان تكون حياة الدنيا لتتحقق الشهادة لأجل حياة الآخرة المؤبدة بمعرفة ايكم احسن عملا ولتعلموا ان الله هو احسن عملا بخلقه الكون وما فيه لتتعرفوا بذلك انه تعالى اله .
اما تعريفه تعالى للمادة التي قدر تعالى عليها الاقدار فهو لأجل ان تكون المعرفة للاسرار الغيبية مما يشهد له وعليه كالشهادة على وجود الماء وشأنه.
ولذلك فلا يظن الملحدون ان الله لما ذكر استواء عرشه على الماء هو امر ساذج باستهانتهم لأمر الاستواء هذا ولذكر الماء من غير ذكر سواه.فبساطة ذكره تعالى للماء تعريفا هو من نواميس تبسيطه تعالى للفهم عند الانسان للاستدلال بالامثال وادراك الخفايا من افهام وغيب بالبرهان التمثيلي الجسدي ايا كان نوعه غازيا او سائلا او صلدا فيكون الماء هو اوسطها في نوع التمثيل , اما في التحول فانه ذكر تعالى ذلك بقوله - ثم استوى الى السماء وهي دخان- وهي الحالة الغازية بعدما كانت ماءا في احقاب الزمان الاول من تخلق الكون.
فتعقلوا معاشر الملحدين فامر الله عظيم بغير حدود , فليس كل ما لم تفهموم تهونوه , ومن تاب تاب الله عنه ولو كان شديد الالحاد.
بقلم -نور- من الجزائر المسلمة السنية.
www.elnoor_to@yahoo.com
عمل منقول هات اشياء من عقلك الكبير
الرجاء عند طرح مواضيع علميه التكلم بفرديه النقد وعدم مزج الاديان لانها مختلفه فيما بينها بالتفاسير و المضمون وعدم خلط الاوراق لاقناع وجهه النضر وبالحقيقه فوجئت بكلامك عن ايات قرانيه مع العلم ان الموضوع يخص الديانه المسيحيه و يوجد اختلاف ضاهر بين الديانتين فارجو ان تفصل بين الاديان ولا تخلط بين الاخضر و اليابس
الاستواء معلوم والكيف مجهول .......هذه تكفي .وشكرا
لا تنسى شرب الماء .....أخي في الإنسانية .
إرسال تعليق