تكوين 1 بين العلم و الاساطير
بقلم العزاء الصوفي
بقلم العزاء الصوفي
لوحة للفنان مايكل انجيلو تصور يهوه اثناء خلقه للشمس والنجوم
ساحاول فى هذه المقالة الوقوف على بعض نقاط الاختلاف الهامة بين نظرة الفكر اليهودي القديم لخلق العالم من جهة و دلالات تلك الافكار عن معتقدات اليهود القديمة و تاثير الحضارات الوثنية المجاورة عليها و بين العلم الحديث من جهة اخرى . تعليقي هنا سيكون عن الاصحاح الاول من سفر التكوين التوراتي تحديدا
1 في البدء خلق الله السموات والارض.
فى البدء كلمة الله فى الاصول العبرية هى "ايلوهيم" و هي تعني حرفيا "الذين اتوا من فوق" هذا التعبير دفع بعض المفكرين الى الاعتقاد بان اليهود القدامى اعتقدوا بوجود الهة متعددة مع الاحتفاظ بحق العبادة ليهوه وحده و من هنا كانت الوصية الاولى لموسى :
"لا يكن لك آلهة اخرى امامي." وليس لا يوجد اله غيري. و هذا الموقف يسمى الايمان بالهة كثيرة مع عبادة اله واحد فقطHenotheism وليس توحيداً تاما Monotheism
تؤكد الاية ايضا اعتقاد اليهود، كغيرهم من الامم بان السماء و الارض هما حجر الاساس للكون , بمعنى ان اول شىء يجب ان يخلق هما السماء و الارض كما تؤكد ظن اليهود بان السماء و الارض مفاهيم لا دخل للكواكب بها فلم يكن عندهم ادنى فكرة ان السماء ليست شيئا موجودا اصلا و ان الارض مجرد كوكب .
و لكن اخطر ما فى هذه الاية هى تجاهل مفهوم الزمان و المكان و قد لاحظ العالم بول ديفيز هذه النقطة و اشار اليها فى كتابة "المفهوم الحديث للمكان و الزمان" قائلا :
"المكان و الزمان ذاتيهما يعتبرهما علماء الفيزياء اثنين من الكيانات الطبيعية. و توضح نظرية اينشتاين للنسبية العامة كيف ان حدثى ظهور المادة وتبددها الانفجاريين يجريان على "حافة" المكان-الزمان . و اذا كان الكون قد نشا منذ عشرة بلايين سنة بالفعل، وليس منذ زمن غير محدود، فهذا يعنى ان المكان-الزمان قد بعث ايضا الى الوجود فى التوقيت ذاته. و تعد الفذاذة الاولى بالفعل حدثا بلا سبب مسبق حيث لك يكن قبلهما مكان او زمان _ولا اي شىء مادي على الاطلاق- ليحتوى هذا السبب . و ان يتخيل المرء وجود اله فى مرحلة تسبق نشأة الكون، و ان يكون هناك ما يحرضه على صنع الكون، لهو شيء مضلل و ناجم عن خلع الصفات البشرية على الآلهة."
و من كلام ديفيز يتضح ان التوراة قد وضعت يهوه دون قصد داخل منظومة الزمكان نفسها من دون الانتباه للعقبات الوخيمة المبنية على هذا الافتراض.
2 وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه
اهمية هذه الاية لا تقل عن سابقتها، ربما يجدر اولا الاشارة للتناقض الصارخ بينها و بين العلم الحديث القائل بنشأة الارض ككتلة بالغة الحرارة لا تسمح بتكون اي ماء ووضع عدة نظريات لتفسير اصل الماء ربما اشهرها نظرية سقوط مذنبات التى تحتوى على كتل هائلة من الجليد.
اما الاهمية الحقيقية للاية فلا تكمن فى اختلافها مع العلم , بل فى تاثرها بالفكر الوثنى فى "الفوضى الاولى" و تاثيرها على الاسلام فى فكرة الـ"مستوى على العرش" . كانت عدة اديان وثنية تتحدث عن صراعات بين الالهة قبل خلق الانسان و عن الفوضى التى سادت الارض كنتيجة لهذه الصراعات , ربما اشهرها الاساطير اليونانية عن صراع زيوس مع ابيه . و فى النص التوراتي تشابه مريب مع الاساطير الوثنية. بل ان ملحمة الخلق البابلية المعروفة بالاينوما ايليش تتفق مع التوراة بشكل مثير للاهتمام و الدهشة , و قد اضفت فى المراجع موضوعا صغيرا يتناول بعض نقاط التشابه.
3 وقال الله ليكن نور فكان نور
هنا نرى التوراة تفترض ان الاصل هو الظلمة و ان النور هو رمز الحياة و بالتالى فلقد كان خلقه واجبا. ربما يتسائل البعض عما يعنيه خلق النور , فالتوراة لم تدع يهوه يخلق شمسا حتى الان فكيف يكون نور, ام انه نور بلا مصدر, نور بذاته ؟
لن نهتم كثيرا بمصدر النور لكننا سنعود لبول ديفيز حيث يقول:
"لقد ابتعد العلم كثيرا عن المفهوم التوراتي لنشأة الكون. فالتوراة تقول ان الضوء و الدفء , التنظيم و الحياة, كلها ظواهر انبثقت من الظلام و العدم وان الكون عمل من صنع الله تلبية لتحريض مسبق لبناء كيان فى مكان و زمان موجودين من قبل و لكن بلا اهمية . اما المفهوم العلمي الحديث فهو على النقيض تماما, حيث يفيد بان الكون بدا بضوء مبهر و حرارة لافحة ثم انخفضت حرارته و حل فيه الظلام . و ازاء النص التوراتي القائل "ليكن نور" اتى الرد العلمى قائلا "ليكن ظلام!" وذلك لانه لا مجال للاستفادة من الطاقة الكامنة فى الشمس من اجل قيام حياة على الارض الا في ظل كون مظلم و بارد"
4 وراى الله النور انه حسن.وفصل الله بين النور والظلمة
فى هذه الاية تعبير ان الله لم يكن يعلم مسبقا ان النور سيكون حسنا لكنه تاكد من ظنونه بعدما رآه امامه امرا واقعا و فى ذلك تاكيد لكثير من العبارات التوراتية التى توحى بان الله ليس مطلق القدرات , بعكس الايات التى اتت بعد السبي البابلي لليهود وفى كل ذلك اشارات لتطور فكرة الله فى اليهودية مرورا باحداث تاريخية فاصلة فى تاريخ الشعب العبري .
اما مسالة فصل النور من الظلمة فتاتي صدا لمزيد من الاعتقادات الوثنية المجاورة
6 وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه.
7 فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك.
8 ودعا الله الجلد سماء.وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا
هنا تاتي اكثر الايات مرحا! فهى تدلنا على سبب لون السماء بالازرق! اليهود القدامة كانوا يعتقدون اننا نعيش تحت "قبة" فوقها مياه و ان ذلك هو سبب لون السماء الجميل!
يجدر الاشارة الى ان لون السماء الازرق ينتج عن اشعة ضوء مستقطبة بسبب الغلاف الجوي.
9 وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة.وكان كذلك.
10 ودعا الله اليابسة ارضا.ومجتمع المياه دعاه بحارا.ورأى الله ذلك انه حسن.
اشرنا سابقا الى ان الاصل فى الارض بحسب العلم الحديث كان اليابسة و ليس البحر.
11 وقال الله لتنبت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الارض.وكان كذلك.
12 فاخرجت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.
13 وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا
قبل ان نعلق على خلق النباتات يجدر الاشارة الى ان التوراة, لم تتحدث عن خلق الله للملائكة او للشياطين او لأى مخلوقات ماورائية و في ذلك دعم للمعتقد القائل بان اليهود القدامى لم يؤمنوا بهذه الاشياء. و ان كنا نرى اشارة مبهمة فى اول ايات الاصحاح الثاني حيث تقول التوراة :
"فأكملت السموات والارض وكل جندها." و قد يجادل البعض ان الجنود هم الملائكة لكن خلق الملائكة فى نظري كان اهم من ان يتم الاشارة له باسلوب مستتر هكذا.
كما يجدر الاشارة الى ان التوراة لم تتحدث عن خلق الفيروسات او الباكتيريا او اى كائنات مجهرية اكتشفت حديثا و فى ذلك اشارة صريحة لبشرية مصدرها.
اما بالنسبة لخلق النباتات فنلاحظ انها ذكرت فى زمن مخالف تماما لزمن ظهورها, فالاعشاب (النجيلة) مثلا ظهرت فقط منذ 35 مليون عام, اى بعد انقراض الديناصورات منذ 65 مليون عام و لذلك ياخذ العلماء على بعض المخرجين تصويرهم للديناصورات وهى تسير على الاعشاب فى الافلام!
و النباتات فى بعض الاحيان تحتاج للحيوانات , و لا ادل على ذلك من النباتات اكلة الحشرات. و هي تدل على التطور المتوازى للحياة نباتية كانت ام حيوانية على الارض . و ساقوم لاحقا بذكر الترتيب العلمي المبني على السجل الحفري لظهور الكائنات.
14 وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل.وتكون لآيات واوقات وايام وسنين.
15 وتكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض.وكان كذلك.
16 فعمل الله النورين العظيمين.النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل.والنجوم.
17 وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض
18 ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة.ورأى الله ذلك انه حسن.
19 وكان مساء وكان صباح يوما رابعا
نلاحظ فصل التوراة الساذج بين النجوم و الشمس فى هذه الايات, بالرغم من ان الشمس نجما متوسط الحجم, و بالتالي متوسط العمر, لا اكثر ولا اقل. كما ان الشمس نجم فى احد ازرع احدى المجرات اللولبية, لا يوجد فيها اي شيء مميز او مثير للاهتمام عن بلايين النجوم الاخرى.
ونلاحظ ان النباتات خلقت قبل الشمس و بالتالي يلح علينا التساؤل عن كيفية حدوث التمثيل الضوئي فيها الى ان اتت الشمس الحبيبة , و عندما سالت رابيناً فى هذه النقطة قال لى "يا جاهل! النور خُلِقَ قبل الشمس!"
و بالتاكيد لا ننتظر من التوراة الحديث عن خلق المذنبات او النجوم النيوترونية او الثقوب السوداء ! بل انها لم تتكلم حتى عن خلق كواكب اخرى , دع عنك اقمارها ....
20 وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء.
21 فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحية الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.
22 وباركها الله قائلا اثمري واكثري واملإي المياه في البحار.وليكثر الطير على الارض.
23 وكان مساء وكان صباح يوما خامسا
24 وقال الله لتخرج الارض ذوات انفس حية كجنسها.بهائم ودبابات ووحوش ارض كاجناسها.وكان كذلك.
25 فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبابات الارض كاجناسها.ورأى الله ذلك انه حسن.
فى الواقع ان النقلة بين الكائنات وحيدة الخلية و اول كائن حي عديد الخلايا احتاج زهاء الف مليون عام و فى ذلك اعترافا بيولوجيا باهمية الكائنات عديدة الخلايا مهما كان تركيبها بسيطا و لم يتم ذكر كل ذلك.
لم يحالف الكاتب الحظ فى ترتيب خلق الكائنات التي ذكرها فالعلم الحديث المبني على سجل الحفريات يخبرنا عن ترتيب مختلف تماما لظهور تلك الكائنات . و لن اقوم بالتعقيب هنا لان الامر لا يحتاج اى ايضاحات و ساترك القارىء يقارن بين الترتيب التوراتي و الترتيب العلمي:
1- اول الاسماك من ذوات الفقرات منذ نحو 510 مليون عام
2- اول النباتات و الحشرات منذ نحو 400 مليون عام
3- اول الزواحف منذ نحو340 مليون عام, متطورةً من البرمائيات التى تطورت من الاسماك بدورها
4- اول زواحف شبيهة بالثدييات الحالية فى اثناء الحقبة بين (225-190) مليون عام و التى اخذت فى التطور و اتسع لها المجال للحياة بحريه و من ثم التطور بشكل سريع بعد انقراض الديناصورات منذ 65 مليون عام
5- بدايات الديناصورات الطائرة و لعل اشهر مثال عليها هو الـArchaeopteryx منذ نحو 150 مليون عام و التى اخرجت لنا لاحقا الطيور
6- تطور الانسان الحالى "هومو سابينز" من فصائل سابقة شبيهة بالانسان مثل "هوموس ايريكتوس" و "هوموس اجيليس" عودةً الى الاسترولوبيتيكوس افارينيسيس منذ 5 ملايين عام مضت و يجدر الاشارة الى ان بعض الفصائل المكتشفة لم تكن من اجدادنا بقدر ما كانت من "ابناء اعمامنا" ان صح التعبير و لعل اشهرها رجل النياندرتالس .
26 وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض.
27 فخلق الله الانسان على صورته.على صورة الله خلقه.ذكرا وانثى خلقهم.
28 وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الارض.
هنا تتجلى مأساة الـتفكير الاناني البشري Anthropomorphism حيث يتم ذكر خلق الانسان على حدة, و على انه "خليفة الاله فى الارض" و على صورته و مثاله و ان كل هذا الجمال و كل هذه النجوم التى لا نقدر حتى على احصائها انما وجدت من اجل "المخلوق الاسمى" الذى لم يفتأ يحطم الطبيعة و يدمرها و يستخدمها لصالحه هو فقط. و لم لا ؟ الم يخلقها الله من اجله ؟
الخلاصة
ان سفر التكوين اتى محاولة بشرية خالصة لتفسير وجود الكون و لتوطيد فكرة ان الكون انما وجد من اجل الانسان و لحسن الحظ ان الانسان ذاته الان صار على درجة من العلم و التحضر تمكنه من الاجابة على الاسئلة ذاتها و لكن من دون جهل و سحر و دجل هذه المرة, لكن بتليسكوب موجه لاعماق الفضاء و بمعول يطرق الارض ليستخرج الحفريات و بقلب تملؤه النشوة عندما يفكر فى ان الكون اخرج كائناً من العقل لدرجة تشغله بالماضي السحيق. ان الف كتاب عن السحر و الاساطير لا يبعث فى القلب سعادة لحظة من تامل مجرة اندروميدا الجميلة بالتليسكوب, و ان الفكر القديم المتعجرف الذى يصورنا كاسياد الكون لا يرقى لفكر اليوم المتواضع الذى يتركنا ننساب فى رقة كقطرة عادية كأى قطرة اخرى فى محيط الوجود.
مراجع :
1- التوراة
2- كتاب "المفهوم الحديث للمكان و الزمان" لبول ديفيز
3- ملحمة الاينوما
http://www.sacred-texts.com/ane/enuma.htm
4- مقالات علمية عن التطور وفي بعضها ردود على حجج الخلقيين
http://www.earthlife.net/mammals/human-evolve.html
1 في البدء خلق الله السموات والارض.
فى البدء كلمة الله فى الاصول العبرية هى "ايلوهيم" و هي تعني حرفيا "الذين اتوا من فوق" هذا التعبير دفع بعض المفكرين الى الاعتقاد بان اليهود القدامى اعتقدوا بوجود الهة متعددة مع الاحتفاظ بحق العبادة ليهوه وحده و من هنا كانت الوصية الاولى لموسى :
"لا يكن لك آلهة اخرى امامي." وليس لا يوجد اله غيري. و هذا الموقف يسمى الايمان بالهة كثيرة مع عبادة اله واحد فقطHenotheism وليس توحيداً تاما Monotheism
تؤكد الاية ايضا اعتقاد اليهود، كغيرهم من الامم بان السماء و الارض هما حجر الاساس للكون , بمعنى ان اول شىء يجب ان يخلق هما السماء و الارض كما تؤكد ظن اليهود بان السماء و الارض مفاهيم لا دخل للكواكب بها فلم يكن عندهم ادنى فكرة ان السماء ليست شيئا موجودا اصلا و ان الارض مجرد كوكب .
و لكن اخطر ما فى هذه الاية هى تجاهل مفهوم الزمان و المكان و قد لاحظ العالم بول ديفيز هذه النقطة و اشار اليها فى كتابة "المفهوم الحديث للمكان و الزمان" قائلا :
"المكان و الزمان ذاتيهما يعتبرهما علماء الفيزياء اثنين من الكيانات الطبيعية. و توضح نظرية اينشتاين للنسبية العامة كيف ان حدثى ظهور المادة وتبددها الانفجاريين يجريان على "حافة" المكان-الزمان . و اذا كان الكون قد نشا منذ عشرة بلايين سنة بالفعل، وليس منذ زمن غير محدود، فهذا يعنى ان المكان-الزمان قد بعث ايضا الى الوجود فى التوقيت ذاته. و تعد الفذاذة الاولى بالفعل حدثا بلا سبب مسبق حيث لك يكن قبلهما مكان او زمان _ولا اي شىء مادي على الاطلاق- ليحتوى هذا السبب . و ان يتخيل المرء وجود اله فى مرحلة تسبق نشأة الكون، و ان يكون هناك ما يحرضه على صنع الكون، لهو شيء مضلل و ناجم عن خلع الصفات البشرية على الآلهة."
و من كلام ديفيز يتضح ان التوراة قد وضعت يهوه دون قصد داخل منظومة الزمكان نفسها من دون الانتباه للعقبات الوخيمة المبنية على هذا الافتراض.
2 وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه
اهمية هذه الاية لا تقل عن سابقتها، ربما يجدر اولا الاشارة للتناقض الصارخ بينها و بين العلم الحديث القائل بنشأة الارض ككتلة بالغة الحرارة لا تسمح بتكون اي ماء ووضع عدة نظريات لتفسير اصل الماء ربما اشهرها نظرية سقوط مذنبات التى تحتوى على كتل هائلة من الجليد.
اما الاهمية الحقيقية للاية فلا تكمن فى اختلافها مع العلم , بل فى تاثرها بالفكر الوثنى فى "الفوضى الاولى" و تاثيرها على الاسلام فى فكرة الـ"مستوى على العرش" . كانت عدة اديان وثنية تتحدث عن صراعات بين الالهة قبل خلق الانسان و عن الفوضى التى سادت الارض كنتيجة لهذه الصراعات , ربما اشهرها الاساطير اليونانية عن صراع زيوس مع ابيه . و فى النص التوراتي تشابه مريب مع الاساطير الوثنية. بل ان ملحمة الخلق البابلية المعروفة بالاينوما ايليش تتفق مع التوراة بشكل مثير للاهتمام و الدهشة , و قد اضفت فى المراجع موضوعا صغيرا يتناول بعض نقاط التشابه.
3 وقال الله ليكن نور فكان نور
هنا نرى التوراة تفترض ان الاصل هو الظلمة و ان النور هو رمز الحياة و بالتالى فلقد كان خلقه واجبا. ربما يتسائل البعض عما يعنيه خلق النور , فالتوراة لم تدع يهوه يخلق شمسا حتى الان فكيف يكون نور, ام انه نور بلا مصدر, نور بذاته ؟
لن نهتم كثيرا بمصدر النور لكننا سنعود لبول ديفيز حيث يقول:
"لقد ابتعد العلم كثيرا عن المفهوم التوراتي لنشأة الكون. فالتوراة تقول ان الضوء و الدفء , التنظيم و الحياة, كلها ظواهر انبثقت من الظلام و العدم وان الكون عمل من صنع الله تلبية لتحريض مسبق لبناء كيان فى مكان و زمان موجودين من قبل و لكن بلا اهمية . اما المفهوم العلمي الحديث فهو على النقيض تماما, حيث يفيد بان الكون بدا بضوء مبهر و حرارة لافحة ثم انخفضت حرارته و حل فيه الظلام . و ازاء النص التوراتي القائل "ليكن نور" اتى الرد العلمى قائلا "ليكن ظلام!" وذلك لانه لا مجال للاستفادة من الطاقة الكامنة فى الشمس من اجل قيام حياة على الارض الا في ظل كون مظلم و بارد"
4 وراى الله النور انه حسن.وفصل الله بين النور والظلمة
فى هذه الاية تعبير ان الله لم يكن يعلم مسبقا ان النور سيكون حسنا لكنه تاكد من ظنونه بعدما رآه امامه امرا واقعا و فى ذلك تاكيد لكثير من العبارات التوراتية التى توحى بان الله ليس مطلق القدرات , بعكس الايات التى اتت بعد السبي البابلي لليهود وفى كل ذلك اشارات لتطور فكرة الله فى اليهودية مرورا باحداث تاريخية فاصلة فى تاريخ الشعب العبري .
اما مسالة فصل النور من الظلمة فتاتي صدا لمزيد من الاعتقادات الوثنية المجاورة
6 وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه.
7 فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك.
8 ودعا الله الجلد سماء.وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا
هنا تاتي اكثر الايات مرحا! فهى تدلنا على سبب لون السماء بالازرق! اليهود القدامة كانوا يعتقدون اننا نعيش تحت "قبة" فوقها مياه و ان ذلك هو سبب لون السماء الجميل!
يجدر الاشارة الى ان لون السماء الازرق ينتج عن اشعة ضوء مستقطبة بسبب الغلاف الجوي.
9 وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة.وكان كذلك.
10 ودعا الله اليابسة ارضا.ومجتمع المياه دعاه بحارا.ورأى الله ذلك انه حسن.
اشرنا سابقا الى ان الاصل فى الارض بحسب العلم الحديث كان اليابسة و ليس البحر.
11 وقال الله لتنبت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا وشجرا ذا ثمر يعمل ثمرا كجنسه بزره فيه على الارض.وكان كذلك.
12 فاخرجت الارض عشبا وبقلا يبزر بزرا كجنسه وشجرا يعمل ثمرا بزره فيه كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.
13 وكان مساء وكان صباح يوما ثالثا
قبل ان نعلق على خلق النباتات يجدر الاشارة الى ان التوراة, لم تتحدث عن خلق الله للملائكة او للشياطين او لأى مخلوقات ماورائية و في ذلك دعم للمعتقد القائل بان اليهود القدامى لم يؤمنوا بهذه الاشياء. و ان كنا نرى اشارة مبهمة فى اول ايات الاصحاح الثاني حيث تقول التوراة :
"فأكملت السموات والارض وكل جندها." و قد يجادل البعض ان الجنود هم الملائكة لكن خلق الملائكة فى نظري كان اهم من ان يتم الاشارة له باسلوب مستتر هكذا.
كما يجدر الاشارة الى ان التوراة لم تتحدث عن خلق الفيروسات او الباكتيريا او اى كائنات مجهرية اكتشفت حديثا و فى ذلك اشارة صريحة لبشرية مصدرها.
اما بالنسبة لخلق النباتات فنلاحظ انها ذكرت فى زمن مخالف تماما لزمن ظهورها, فالاعشاب (النجيلة) مثلا ظهرت فقط منذ 35 مليون عام, اى بعد انقراض الديناصورات منذ 65 مليون عام و لذلك ياخذ العلماء على بعض المخرجين تصويرهم للديناصورات وهى تسير على الاعشاب فى الافلام!
و النباتات فى بعض الاحيان تحتاج للحيوانات , و لا ادل على ذلك من النباتات اكلة الحشرات. و هي تدل على التطور المتوازى للحياة نباتية كانت ام حيوانية على الارض . و ساقوم لاحقا بذكر الترتيب العلمي المبني على السجل الحفري لظهور الكائنات.
14 وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل.وتكون لآيات واوقات وايام وسنين.
15 وتكون انوارا في جلد السماء لتنير على الارض.وكان كذلك.
16 فعمل الله النورين العظيمين.النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل.والنجوم.
17 وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض
18 ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة.ورأى الله ذلك انه حسن.
19 وكان مساء وكان صباح يوما رابعا
نلاحظ فصل التوراة الساذج بين النجوم و الشمس فى هذه الايات, بالرغم من ان الشمس نجما متوسط الحجم, و بالتالي متوسط العمر, لا اكثر ولا اقل. كما ان الشمس نجم فى احد ازرع احدى المجرات اللولبية, لا يوجد فيها اي شيء مميز او مثير للاهتمام عن بلايين النجوم الاخرى.
ونلاحظ ان النباتات خلقت قبل الشمس و بالتالي يلح علينا التساؤل عن كيفية حدوث التمثيل الضوئي فيها الى ان اتت الشمس الحبيبة , و عندما سالت رابيناً فى هذه النقطة قال لى "يا جاهل! النور خُلِقَ قبل الشمس!"
و بالتاكيد لا ننتظر من التوراة الحديث عن خلق المذنبات او النجوم النيوترونية او الثقوب السوداء ! بل انها لم تتكلم حتى عن خلق كواكب اخرى , دع عنك اقمارها ....
20 وقال الله لتفض المياه زحافات ذات نفس حية وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء.
21 فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحية الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه.ورأى الله ذلك انه حسن.
22 وباركها الله قائلا اثمري واكثري واملإي المياه في البحار.وليكثر الطير على الارض.
23 وكان مساء وكان صباح يوما خامسا
24 وقال الله لتخرج الارض ذوات انفس حية كجنسها.بهائم ودبابات ووحوش ارض كاجناسها.وكان كذلك.
25 فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبابات الارض كاجناسها.ورأى الله ذلك انه حسن.
فى الواقع ان النقلة بين الكائنات وحيدة الخلية و اول كائن حي عديد الخلايا احتاج زهاء الف مليون عام و فى ذلك اعترافا بيولوجيا باهمية الكائنات عديدة الخلايا مهما كان تركيبها بسيطا و لم يتم ذكر كل ذلك.
لم يحالف الكاتب الحظ فى ترتيب خلق الكائنات التي ذكرها فالعلم الحديث المبني على سجل الحفريات يخبرنا عن ترتيب مختلف تماما لظهور تلك الكائنات . و لن اقوم بالتعقيب هنا لان الامر لا يحتاج اى ايضاحات و ساترك القارىء يقارن بين الترتيب التوراتي و الترتيب العلمي:
1- اول الاسماك من ذوات الفقرات منذ نحو 510 مليون عام
2- اول النباتات و الحشرات منذ نحو 400 مليون عام
3- اول الزواحف منذ نحو340 مليون عام, متطورةً من البرمائيات التى تطورت من الاسماك بدورها
4- اول زواحف شبيهة بالثدييات الحالية فى اثناء الحقبة بين (225-190) مليون عام و التى اخذت فى التطور و اتسع لها المجال للحياة بحريه و من ثم التطور بشكل سريع بعد انقراض الديناصورات منذ 65 مليون عام
5- بدايات الديناصورات الطائرة و لعل اشهر مثال عليها هو الـArchaeopteryx منذ نحو 150 مليون عام و التى اخرجت لنا لاحقا الطيور
6- تطور الانسان الحالى "هومو سابينز" من فصائل سابقة شبيهة بالانسان مثل "هوموس ايريكتوس" و "هوموس اجيليس" عودةً الى الاسترولوبيتيكوس افارينيسيس منذ 5 ملايين عام مضت و يجدر الاشارة الى ان بعض الفصائل المكتشفة لم تكن من اجدادنا بقدر ما كانت من "ابناء اعمامنا" ان صح التعبير و لعل اشهرها رجل النياندرتالس .
26 وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا.فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الارض.
27 فخلق الله الانسان على صورته.على صورة الله خلقه.ذكرا وانثى خلقهم.
28 وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الارض.
هنا تتجلى مأساة الـتفكير الاناني البشري Anthropomorphism حيث يتم ذكر خلق الانسان على حدة, و على انه "خليفة الاله فى الارض" و على صورته و مثاله و ان كل هذا الجمال و كل هذه النجوم التى لا نقدر حتى على احصائها انما وجدت من اجل "المخلوق الاسمى" الذى لم يفتأ يحطم الطبيعة و يدمرها و يستخدمها لصالحه هو فقط. و لم لا ؟ الم يخلقها الله من اجله ؟
الخلاصة
ان سفر التكوين اتى محاولة بشرية خالصة لتفسير وجود الكون و لتوطيد فكرة ان الكون انما وجد من اجل الانسان و لحسن الحظ ان الانسان ذاته الان صار على درجة من العلم و التحضر تمكنه من الاجابة على الاسئلة ذاتها و لكن من دون جهل و سحر و دجل هذه المرة, لكن بتليسكوب موجه لاعماق الفضاء و بمعول يطرق الارض ليستخرج الحفريات و بقلب تملؤه النشوة عندما يفكر فى ان الكون اخرج كائناً من العقل لدرجة تشغله بالماضي السحيق. ان الف كتاب عن السحر و الاساطير لا يبعث فى القلب سعادة لحظة من تامل مجرة اندروميدا الجميلة بالتليسكوب, و ان الفكر القديم المتعجرف الذى يصورنا كاسياد الكون لا يرقى لفكر اليوم المتواضع الذى يتركنا ننساب فى رقة كقطرة عادية كأى قطرة اخرى فى محيط الوجود.
مراجع :
1- التوراة
2- كتاب "المفهوم الحديث للمكان و الزمان" لبول ديفيز
3- ملحمة الاينوما
http://www.sacred-texts.com/ane/enuma.htm
4- مقالات علمية عن التطور وفي بعضها ردود على حجج الخلقيين
http://www.earthlife.net/mammals/human-evolve.html
5- مقال للمقارنة بين قصة الخلق في التوراة و الاينوما
http://web2.airmail.net/capella/aguide/genenum.htm
http://web2.airmail.net/capella/aguide/genenum.htm
الكاتب: العزاء الصوفي
المصدر: منتدى اللادينيين العرب
3 تعليق(ات):
حضرتك بتقول::::
فى الواقع ان النقلة بين الكائنات وحيدة الخلية و اول كائن حي عديد الخلايا احتاج زهاء الف مليون عام و فى ذلك اعترافا بيولوجيا باهمية الكائنات عديدة الخلايا مهما كان تركيبها بسيطا و لم يتم ذكر كل ذلك.
اوك التوراة لم تذكر قصة الخلق كما ذكرها العلم ولا حتى الانجيل ذكر ذلك
ولكن لي سؤال ارجو الرد عليه:
من هو خالق اول خلية في الكون؟
ومن هو خالق اول كائن عديد الخليه واول كائن وحيد الخلية؟
ولنفترض كما تقول ان الانسان تطور كما قال دارون:
فمن خلق اول خلية في هذا الانسان المتطور؟
ام وجدت هكذا بدون خالق؟
يعنى الكون مثلا صحي من النوم كده لقى خليه شغاله مع نفسها وبتطور لحد ما بقت انسان؟
طب ليه الانسان ماتطورش اكثر مما هو عليه الان؟
فكما نعلم ان اى حفريات يجدونها للانسان يكتشفون انها نسخة من انسان اليوم ولم يجدوا حفرية مثلا لانسان نصه بنى ادم ونصه قرد
فاذا كان الانسان يقع تحت نظرية التطور:
اين ما يثبت ذلك بالحفريات واين ما يثبت ان الانسان سوف يتطور اكثر من ذلك:؟
وكيف سيصبح شكله مثلا بعد كمان خمسين مليون سنه؟
ارجو الرد والافادة
وشكرا
سلام
لايضاح لك بعض ماتراه من غموض فى مقالتك ثم توضيح تسلسل الخلق كما كتبته التوراه ويؤمن به اليهود والمسيحين وانه لا تناقض البته بين ماذكره سفر التكوين وبين العلم الحديث...
بالنسبة للفظة الوهيم :
ألوهيم يدل على الثالوث
فمنذ التكوين أعلن يهوه القدير لموسى التعددية داخل جوهره الالهى و فى طول العهد القديم ظل القدير يعلن لشعبه عن ماهية طبيعته و انه ثالوث فى داخل جوهره الواحد و لكن الشعب الغليظ الشفتين لم يفهم أكثر من 2366 مرة (1)ذكر اللفظ ألوهيم فى العهد القديم وهناسنناقش تحليل اللفظ ألوهيم , تعددية اللفظ ألوهيم ثلاثة فقط ليس أقل ولا أكثر و معنى الكتاب ممن اطلق عليهم ألوهيم غير يهوه القدير.
اولا تحليل اللفظ ألوهيم
جاء ألوهيم فى العبرية אלהים مكونا من شقين هما אלה و يعنى أله و تصغيره אל, العظيم الوحيد God , Mighty One , God Almighty اى الاله الوحيد كلى القدرة (2) و الشق الثانى هو ים و هو صيغة الجمع مثل فى اللغة العربية واو الجمع.
أستخدم اللفظ أيلوه אלה فى تث 32:17 ليدل على الألهة الغير حقيقية و فى مز114:7 ورد بأسم أله يعقوب و فى نح9:14 ورد بمعنى "أله غفور" و فى سفر ايوب ايضا نسبيا لأنه يبدو ان ايوب لم يكن من اسرائيل و لذلك استخدم الاسم المفرد و فى كل الحالات التى استخدم فيها الاسم المفرد أيلوه אלה استخدم معه الضمير مفرد بينما استخدم الاسم ايلوهيم אלהים مع أفعال بصيغة الجمع مثل تك20:13 , تك 35:7 , 2صم7:23 و كذلك جاء ايلوهيم اسما مقارنة مع ألهة جمعا و نعتا و اسم فاعل و اسم مفعول مقارنة مع ألهة جمعا مثل تث4:7 , يش24:19 , 2صم7: 26- 27 , مز 58:11 , أم30:3 , ار10:10.
و نذكر هنا بعض الأمثلة لذكر الفعل الجمع مع الأسم ايلوهيم :
تكوين 20:12 "وحدث لما أتاهنى الله من بيت أبى أنى قلت لها هذا معروفك الذى تصنعين إلى. فى كل مكان نأتى إليه قولى عنى هو أخى".
هذه هى كلمات ابراهيم ، الذى يعبد الإله الواحد الحقيقى ، حرفياً يقول "وحدث لما أتاهونى إلوهيم" .
تكوين 35:7 "وبنى هناك مذبحاً ودعا المكان إيل بيت إيل . لأنه هناك ظهر له الله حين هرب من وجه أخيه".
هذه هى كلمات يعقوب ، وهو أيضاً يعبد الإله الواحد الحقيقى ، حرفياً يقول "لأنه هناك ظهروا له إلوهيم" فالفعل ظهر فى الاصل العبرى جمع و ليس كما فى الترجمة العربية الفعل مفرد!
صموئيل الثانى 7: 23: "وأيى أمة على الأرض مثل شعبك إٍسرائيل الذى سار الله ليفتديه لنفسه شعباً ويجعل له إسماً ويعمل لكم العظائم والتخاويف" .
هذه كلمات داود النبى ، الذى يعبد الإله الواحد الحقيقى - إله إسرائيل - حرفياً يقول "شعب إسرائيل الذى ساروا إلوهيم ليفتديه لأنفسهم" هو نفسه داود يقول قبل هذه الآية "لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك" صموئيل الثانى 7: 22.
مزمور 58: 11 "ويقول الإنسان إن للصديق ثمراً . إنه يوجد إله قاض فى الأرض" .
يقول داود النبى حرفياً : "يوجد إلوهيم يقضوا".
و قد وصل اليهود الى مرحلة من الابهام حول الجمع بين فعل مفرد و اسم جمع على حد فهمهم لدرجة جعلت احدهم يقول
"the construction of a noun plural with a verb singular, may render it doubtful to some whether these words express a plurality or not, yet certainly there can be no doubt in those places, where a verb or adjective plural are joined with the word Elohim''
"تركيب اسم جمع مع فعل مفرد يحدث نوع من الغموض للبعض حيث هل تعبر هذه الكلمات عن جمع ام لا , بالتأكيد هذا الغموض لا يوجد فى هذه الاماكن حين فعل او نعت جمع يوصل بالكلمة أيلوهيم" (3)
اننا بهذا نرى اعترافا من أناس لا يؤمنون بالثالوث المقدس ان الاسم ايلوهيم فى ارتباطه مع فعل مفرد يمثل غموضا و لكن هذا الغموض لديهم هم و ليس لدينا نحن المسيحيين.
و نرى فى تك3:22 وَقَالَ الرَّبُّ الالَهُ: «هُوَذَا الانْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ , و المعروف لدى الجميع ان صيغة الجمع للتعظيم لا وجود لها فى اللغة العبرية مما يؤكد ان كلام يهوه بصيغة الجمع يدل على الجمع فعليا و ليس تعظيما
ثانيا تعددية اللفظ أيلوهيم تعنى ثلاثة فقط لا اكثر و ليس اقل
لو نظرنا الى مزمور 82:6 سنجد ان قول الكتاب "ألهة" جاء بنفس اللفظ أيلوهيم אלהים ليدل على الجمع فى القضاة و فى هذه النقطة لنا وقفة فاليهود فى شرحهم لسفر العدد 15:16 قالوا انه لا حكم أقل من ثلاث قضاة (4) أليس امرا عجيبا ان يطلق اللفظ أيلوهيم على ثلاث قضاة؟
و نقرأ ايضا قول بابا بيتاكوت Baba Betacot انه لا سنهدريم او محاكمة قضائية تدعى"الهة אלהים" الا حينما تتكون من ثلاثة (5) و هؤلاء القضاة هم نفسهم من أطلق عليهم أيلوهيم فى المزمور!!!!!!
فيلو اليهودى السكندرى أمن ان ما ذكر فى تك3:22 ليس من واحد و انما من أكثر The "one" and the "more" اى الواحد و الجمع (6)
بلاتو Plato تكلم عن الازلية و اللانهائية و فى النهاية قال (7) :
was delivered to us by the ancients; who were better than we, and lived nearer the gods
وصلت ألينا (اى التعاليم) من القدماء الذين كانوا احسن منا و عاشوا قريبا من الألهة , و من هنا نرى ايمان اليهود بالتعددية داخل الجوهر الالهى الواحد و ان كانوا لم يفهموا كيفية هذه التعددية التى فهمناها نحن المسيحيين الا انهم قد أمنوا بذلك!
فى عملية الخلق نرى ارتباط ايلوهيم אלהים بالثلاث اقانيم فى تكوين الاصحاح الاول و اول ثلاث اعداد : فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ. وَكَانَتِ الارْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ.وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ» فَكَانَ نُورٌ,
فأمامنا الله الاب و روحه القدس يرف على وجه المياه و كلمة الله خلق النور فنحن امام ثلاثة فقط و ليس أكثر الاب و الابن و الروح القدس كما أوضح لنا الكتاب ان الابن به عمل العالمين (عب1:2) و الروح القدس هو الخالق (مز104:30) و لا يوجد اى أثر فى الكتاب المقدس لرابع لهم و من يقول بعكس هذا فعليه بالدليل اولا فالبينة على من أدعى.
واضح جداً فى هذه الآية تعدد الأقانيم فى الإله الواحد . ويحاول الرابيون إيجاد مبرر فى هذه الآية بالذات بالقول "أن هذه التعبيرات "لنعمل ... صورتنا ... كشبهنا .. " تشير الى حديث بين الله والملائكة .. لكن للأسف ، هذا التفسير بعيد كل البعد عن الحقيقة فالله وحده هو الذى خلق ، ولا ذكر للملائكة فى هذا النص على الإطلاق.
كما أنه من غير المعقول أن يستشير الله الملائكة فى عملية الخلق – كما قال البعض – لأن النص لا يقول بذلك . كما أن التعبير "على صورتنا كشبهنا" لا يمكن أن تشير الى الملائكة ، حيث أن الإنسان خُلق على صورة الله وليس على صورة الملائكة ، والدليل على ذلك أن النص يعود فيقول "فخلق الله الإنسان على صورته . على صورة الله خلقه" . فيكرر الأمر مرتين .
الرابى صموئيل بن حانمان Rabbi Samuel bar Hanman يقول : فى الوقت الذى كتب فيه موسى التوراه ، كتب كل يوم جزء . وعندما وصل إلى الآية التى تقول "وقال إلوهيم نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا" ، قال موسى لله : يا سيد الخليقة كلها ، لماذا تعطى العذر لهؤلاء المتعصبين هكذا (يقصد الذين يؤمنون بالله الواحد فى ثلاثة أقانيم) ، فأجاب الله موسى : أكتب ، وكل من يريد أن يخطئ أتركه يخطئ. (8) ويقصد بالمتعصبين أو "الهراطقة" هم اليهود الذين آمنوا بالمسيح ويعتقدون بالثالوث القدوس . واضح أن ميدراش رباه ، يحاول جاهداً أن يدور حول المشكلة ، ويعجز عن شرح لماذا أشار الله إلى نفسه بصيغة الجمع .
و أيات اخرى كثيرة تؤكد عقيدة الثالوث من العهد القديم عن طريق استعمال الاسماء و الصفات عن أيلوهيم و تأتى فى صيغة الجمع , مثل :
يشوع 24:19 "فقال يشوع للشعب لا تقدرون أن تعبدوا الرب لأنه إله قدوس وإله غيور هو" .
فى النص العبرى ، الكلمة "قدوس" صفة جمع وليس مفرداً كما فى الترجمة العربية . حرفياً بالعبرى تُترجم "قدوسة" ، كما أن كلمة "إله" فى النص العبرى "إلوهيم" وهو إسم جمع كما قلنا سابقاً .
مزمور 149:2 "ليفرح إسرائيل بخالقه ، وليبتهج بنو صهيون بملكهم".
فى النص العبرى ، الكلمة "خالق" صفة جمع ، وحرفياً تترجم "خالقين" . من جهة أخرى فى اللغة العربية الكلمة "خالق" هى إسم ، أما فى اللغة العبرية فهى صفة .
جامعة 12:2 "فأذكر خالقك فى أيام شبابك ... "
فى هذه الآية ، كلمة "خالق" صفة جمع ، وحرفياً تترجم "فأذكر خالقيك ... ".
أشعياء 54:5 "لأن بعلك هو صانعك رب الجنود إسمه ووليك قدوس إسرائيل إلى كل الأرض" .
فى هذه الآية : كل من "بعلك" و "صانعك" هما صفتان (وليس إسمان) فى صيغة الجمع .
و ليس فقط الاسم أيلوهيم الذى يُستعمل للدلالة على الثالوث القدوس بل حتى الاسم يهوه نفسه!
تكوين 19: 24-27: "فأمطر الرب (يهوه) على سدوم وعمورة كبريتاً وناراً من عند الرب (يهوه) من السماء,,,وبكر ابراهيم فى الغد الى المكان الذى وقف فيه أمام الرب (يهوه) . وتطلع نحو سدوم وعمورة"
"يهوه" رقم 1 كان على الأرض وقال أنه سيمطر كبريتاً وناراً من عند "يهوه" رقم 2 الذى هو فى السماء. إذاً هناك شخصان متميزان دُعيا بإسم "يهوه" وفى نفس الآية, فتأمل فى هذه العظمة الألهية!
زكريا 2: 8-9 "لأنه هكذا قال رب (يهوه صاباؤوت) الجنود . بعد المجد أرسلنى إلى الأمم الذين سلبوكم. لأنه من يمسكم يمس حدقة عينه. لأنى هأنذا أحرك يدى عليهم فيكونون سلباً لعبيدهم. فتعلمون أن رب الجنود (يهوه صاباؤوت) قد أرسلنى".
مرة أخرى ، نقرأ أن "يهوه" رقم 1 المتكلم فى هذه الآيات أرسل "يهوه" آخر لينجز عملاً محدداً,,,فكيف يكون الاثنين شخصا واحدا فى حين وجود راسل و مُرسل؟ و الاثنين يهوه؟ أنه التمايز الاقنومى بين الثالوث القدوس!
و نجد فى احدى كتابات الأدب اليهودى و هو كتاب Zohar (و هو كتاب كُتب فى القرن الثالث عشر وهو يبحث فى الأسرار اليهودية Jewish Mysticism ومقتطفات من العهد القديم بأسلوب أدبى) يتجه نحو حقيقة الثالوث فى شرحه للحروف الأربعة للإسم الشخصى لله. فكتب الآتى :
"تعالى وأنظر السر العظيم لكلمة "يهوه יהוה " : توجد ثلاث درجات كل واحدة قائمة بذاتها ، ومع ذلك هم واحد ، ومتحدين لدرجة لا يمكن فصل الواحدة عن الأخرى . القدوس قديم الأيام ، يظهر وكأن له ثلاث رؤوس ، ومتحدة فى واحد ، والرأس الواحدة لها نفس مجد الثلاث. قديم الأيام يوصف وكأنه ثلاث ، لأن النور المنبثق منه يشمل الثلاثة . ولكن كيف أن الثلاثة يكونوا واحد !! لا يمكن أن يُعرف هذا الا بإعلان الروح القدس"(9)
بل و حتى الاسم ادوناى يدل و يؤكد عقيدة الثالوث القدوس!
مزمور 110: 1 "قال الرب (يهوه) لربى (أدوناى) إجلس عن يمينى حتى أضع أعدائك موطئاً لقدميك"
متى نجد الإسم "أدوناى" ، نجده يأتى فقط فى صيغة الجمع ، ولا يأتى أبداً فى صيغة المفرد ، وهو يستعمل كإسم لله فقط ، الإله الواحد الحقيقى مما يدل على وجود أقانيم فى الإله الواحد .
"أسمع يا اسرائيل الرب ألهنا رب واحد"
و لنا وقفة مع هذه الاية فحتى هذه الاية يا يهود و يا مسلمون تؤكد عقيدة الثالوث القدوس بما لا يدع مجال للشك!
الآية الواردة فى سفر التثنية 6:4 ، تُسمى عند اليهود "شيمع Shema " وهى بمثابة قانون الإيمان لدى اليهود (فى مقابل قانون الإيمان المسيحى لدينا).
"Shema" أى "إسمع". تثنية 6:4 "إسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" وتُكتب بالعبرية هكذا: "Shema Yisroel Adonai Elohenu Adonai Echad" .
هذه الآية يستعملها اليهود أكثر من غيرها لإثبات وحدانية الله – الذى لا جدال فيه – ولإنكار مسألة وجود مبدأ تعدد الأقانيم فى الإله الواحد. فى حين أن هذه الآية – أيضاً – تُثبت مبدأ تعدد الأقانيم فى الإله الواحد ، وعلى قدم المساواة مع إثبات مبدأ وحدانية الله.
ينبغى أن نُشير وقبل كل شئ أن الكلمة الخطيرة "إلهنا" هى فى الحقيقة فى صيغة الجمع ، كما فى النص العبرى للتوراة. وحرفياً تُترجم "آلهتنا" . وكما قلنا سابقاً أن الإسم "أدوناى" وهو أحد أسماء الله ، يأتى فقط فى صيغة الجمع ولا يأتى أبداً فى صيغة المفرد ، وهذا ما نراه – أيضاً فى هذه الآية.
أما عن البرهان الرئيسى لإثبات وحدانية الله – رغم ذلك – فهو يكمن فى الكلمة العبرية الواردة فى الآية ، وهى " واحد Echad " وهى تُكتب بالعبرية " אחד أ خَ د " وبإلقاء نظرة على آيات عديدة فى العهد القديم بالعبرية تستخدم الكلمة " واحد Echad " ، سنرى أن هذه الكلمة تُستخدم للتعبير عن "واحد مطلق" وأيضاً "واحد مركب" . وهذا أيضاً واضح فى اللغة اليونانية : حيث أن كل من "Mono" و "Mai" تعنى "واحد" ، ولكن هناك فرق ، فأن كلمة "Mono" تعنى "واحد مطلق" ، أما كلمة "Mai" تعنى "واحد مُركب" . للأسف هذه التعابير غير واضحة فى اللغة العربية. ولكى أُسهل على القارئ العزيز فهم تلك الحقيقة أُورد هذه الأمثلة :
فى تكوين 1:5 "ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً. وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً Echad ".
فى تكوين 2:24 "لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكونان جسداً واحداً Echad ".
فى حزقيال 37:15-17 "وكان إلىّ كلام الرب قائلاً. وأنت يا إبن آدم خُذ لنفسك عصا واحدة وأكتب عليها ليهوذا ولبنى إسرائيل رفقائه. وخُذ عصا أخرى وأكتب عليها ليوسف عصا إفرايم وكل بيت إسرائيل رفقائه. وأقرنهما الواحدة بالأخرى كعصا واحدة Echad فتصير واحدة Echad فى يدك"
هذه الآيات السابقة مجرد أمثلة لتسهيل الفهم ، لكن من حيث طبيعة الله فهو إله واحد مثلث الأقانيم – جوهر واحد فى ثلاثة أقانيم – ثلاثة أقانيم فى جوهر واحد . وحاشا أن تكون طبيعة الله مُركبة.
وبالتالى ، إستعمال الكلمة العبرية "Echad" بمعنى "واحد" فى الأسفار المقدسة ، يُمكن أن تُعبر أيضاً عن "واحد مركب" وليس فقط "واحد على وجه الإطلاق".
أما الكلمة العبرية التى تعنى "واحد فقط على وجه الإطلاق" فهى كلمة "Yachid". وهذه الكلمة أُستعلت كثيراً فى العهد القديم ، للتأكيد على المعنى "فقط واحد مطلق" . لو كان موسى يُريد أن يُعلم بأن الله "واحد مطلق" لإستعمل الكلمة العبرية "Yachid" وليس كلمة "Echad" التى تعنى "واحد مركب" و هنا لا نعنى بأن طبيعة الله الثالوثية طبيعة مُركبة و لكن لأن اعلان العهد القديم عن الثالوث لم يكن واضح مئة فى المئة , فقد أصلح اعلان العهد الجديد هذا الغير واضح تماما. فالعهد الجديد أعلن لنا ان الله روح و الروح طبيعة بسيطة غير قابلة للتركيب.
اللوجوس و الميمرا
قال يوحنا البشير فى بدأ بشارته :
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. (يو1:1) و كما نعرف جميعا فأن اللفظ "الكلمة" جاء فى اصله اليونانى Λόγος لوجوس , اى العقل الناطق , الكلمة.
لم يكن الأنجيل فقط هو من أطلق على الله لفظ "الكلمة" ,,, اليهود ايضا فعلوا هذا!
اللفظ المماثل للفظة اللوجوس فى العبرية هو מימרא דיי و يُنطق "ميمرا" و هذا اللفظ اُستعمل كثيرا فى الأدب اليهودى على مر السنين خاصةً فى ما يُسمى بالترجومات و هى عبارة عن شروحات يهودية لأسفار العهد القديم. اثنين من هذه الترجومات قام بهم شخصين هما : اونكيلوس Onkelos و يوناثان ابن عزيل Jonathan ben Uzziel و مازال نصهم موجودا حتى يومنا هذا.
فى هذين الترجومين اُستعمل اللفظ ميمرا بدلا من الله , اللفظ ميمرا يعنى كلمة الله , استخدمه اليهود للتعبير عن الله!
و أليك هذه الامثلة من ترجوم اونكيلوس :
1-) تك 28:20 يقول فيه الترجوم :
"if "the word of the Lord" will be my help, and will keep me, &c. then "the word of the Lord" shall be, "my God"
فيضع نص الاية و يقول ان كلمة الله سيكون ألهى
2-) لا26:12 يقول فيه الترجوم :
I will cause the glory of my Shekinah to dwell among you, and my word shall "be your God", the Redeemer
فيضع نص الاية و لكن يقول على لسان الله " و كلمتى سيكون ألهك"!
3-) تث 26 : 17 يقول فيه الترجوم :
ye have made "the word of the Lord" king over you this day, that he may be your God
انت اخذت كلمة الله ملكك فى ذلك اليوم , انه يكون ألهك
4-) مز 110 : 1 يقول فيه الترجوم :
"the Lord said to his word"
الرب قال لكلمته!
5-) هو1:7 يقول فيه الترجوم :
"I will redeem them by the word of the Lord their God"
أننى سأخلصهم بكلمة الرب ألههم
و هكذا نرى أمثلة كثيرة جدا فى الترجومات تضع "كلمة الله" بدلا من "الله". و الجدير بالذكر هنا ان اللفظ ميمرا يعنى تحديدا "the word from before the Lord" و لذلك يقول الترجوم فى شرح (تك31:22) : "and the word from before the Lord, came to Laban" اى "الكلمة الذى من الرب , جاء الى لابان" و ايضا فى شرح (خر 20:19) يقول الترجوم : "and let not the word from before the Lord speak with us, lest we die" و هنا استبدل لفظ "الله" بلفظ "الكلمة الذى من الله"!!!
ولدينا اعلان أخر من شخص يُدعى "أميليوس" و هو فيلسوف يونانى من اتباع افلاطون , يقول(10) :
and this was truly "Logos", or the word, by whom always existing, the things that are made, were made, as also Heraclitus thought; and who, likewise that Barbarian reckons was in the order and dignity of the beginning, constituted with God, and was God, by whom all things are entirely made; in whom, whatsoever is made, lives, and has life, and being; and who entered into bodies, and was clothed with flesh, and appeared a man; so notwithstanding, that he showed forth the majesty of his nature; and after his dissolution, he was again deified, and was God, as he was before he descended into a body, flesh and man.
"و كان هذا حقا اللوجوس , او الكلمة , الذى دائما موجود , الذى به صنع كل شىء , كما اعتقد هيراكليتوس و كذلك البربرى (يقصد يوحنا الانجيلى) الذى يصف البدأ حاسبه مع الله و أنه الله ,الذى به كل شىء صُنع , الذى به صنعت الحياة و الكينونة , و الذى حل فى الجسد , وانخذ جسدا و ظهر كأنسان....ألخ"
اننى لن اتكلم عن الدقة التى يصف بها اللوجوس بحسب قناعته الشخصية بالنظر الى اول اربعة اعداد من انجيل يوحنا و العدد الرابع عشر , و لكننى سأتكلم عن اعتقاده هو كما أوضحه تماما و عن مصدره لهذا الاعتقاد هل هو يوحنا البشير - اذ انه عاش بعده - ام هو كتب اليهود؟
يتكلم الرجل قائلا :"و كان هذا حقا اللوجوس , او الكلمة , الذى دائما موجود , الذى به صنع كل شىء" , فنقول لا لم يستقى هذا التعليم لا من الانجيل ولا من المسيحيين و انما من اليهود. و سأدلل على هذا القول ببعض الادلة السريعة على منشأ الافلاطونية :
1-) يذكر أكليمندس السكندرى ان بلاتو كان فيلسوفا للعبريين , و كان دارسا لأسفار الانبياء , و أنه هو مؤسس الفلسفة العبرية و مشعل فتيلها (11)
2-) جمع بلاتو بين الفلسفة الاغريقية و بين فلسفته العبرية حينما ذهب الى مصر ليتعم على يد الكهنة (12)
3-) كان سبب ذهابه الى مصر بالاساس هو دراسة فلسفة الجذور النبوية اليهودية , ذلك أن يهود الاسكندرية بمصر فى حياته اشتهروا بعلمهم الغزير (13)
4-) و يقول لنا Aristobulus المؤرخ اليهودى , أنه درس الشريعة اليهودية و الفلسفة الفيثاغورسية فى أن واحد مما أدى الى انحرافه عن مسلكه الفلسفى العبرى المتزن فى نظرهم (14)
5-) الدليل العقلى ان الفلاطونية استقت تعليمها من اليهودية و ليس من المسيحية ان هذا المُسمى بأميليوس يتكلم عن ايمان هيراكليتوس الافلاطونى الذى وُجد قبل يوحنا بنفس ما كتبه يوحنا , و كذلك اسلوبه يبدو مُقارن بين ايمان هيراكليتوس و بين ايمان يوحنا بل و يصف يوحنا بالبربرى مما يستحيل به ان يكون اميليوس أخذ عن يوحنا.
مثال أخر لأستخدامات كلمة ميمرا فى الادب اليهودى , هو فيلو اليهودى السكندرى الذى استعمل هذه الكلمة مرارا و تكرارا و نورد هنا أمثلة لما ذكره :
1-) يقول فى كتابه عن الخلق :
for the word of God surpasses even that beauty which exists in the nature which is perceptible only by the external senses, not being embellished by any adventitious beauty, but being itself, if one must speak the truth, its most exquisite embellishment.
"لأن كلمة الله يتجاوز الجمال الموجود فى الطبيعة الذى يمكن ادراكه بالحواس الخارجية فقط , لم يُزين بجمال اضافى. انما هو نفسه. ان كان ينبغى ان يقال الحق , انه تزيين مختار بعناية." (15)
2-) فى تفسيره المجازى يقول :
and this issues forth out of the Eden of the wisdom of God, and that is the word of God. For it is according to the word of God, that generic virtue was created.
"و هذه الأقوال جاءت صاعدة من عدن حكمة الله , الذى هو كلمة الله , حيث انه تبعا لكلمة الله هذه العفة الجنسية قد خُلقت" (16)
و فى الجزأ الثانى من نفس الكتاب يقول :
of all things is God; and in the second place the word of God. But other things have an existence only in word
"فى كل الاشياء الله , و فى المكان الثانى كلمة الله. و لكن كل الاشياء اكتسبت الوجود فقط فى الكلمة"(17)
و ايضا يقول :
the word of God in Leviticus recommends men "to feed on those creeping things which go on four feet, and which have legs above their feet, so that they are able to leap with Them;"
"كلمة الله فى اللاويين ينبه الراجل...ألخ" (18) ثم يقتبس النص لاويين11:22 , و لكن انظر الى كلام فيلو اليهودى , الذى لا يؤمن بالمسيحية , الذى لا يعرف شيئا عن اللاهوت المسيحى , يقر بشفتيه بأن الخالق هو كلمة الله , و بأن كلمة الله هو الله!
حقا صدق الكتاب حين سألهم : من صعد الى السموات ونزل.من جمع الريح في حفنتيه.من صرّ المياه في ثوب.من ثبت جميع اطراف الارض.ما اسمه وما اسم ابنه ان عرفت؟ (أم30:4),,, و لن يعرفوا!
ثالثا معنى اطلاق ألوهيم على غير يهوه
أطلق اللفظ أيلوهيم على غير يهوه القدير مثل القضاة و الملائكة و أخرين و لكن كيف أطلق عليهم هذا اللفظ؟
ان لفظ أيلوهيم حين أطلق على يهوه لم يكن مجرد أسما و انما يهوه هو أصل الاسم فحين يطلق عليه فهو لابد ان يحمل معنى يوجد به تشابه بينه و بين ذلك الاسم فالاسم ايلوهيم يعبر عن شىء ما فى يهوه القدير لذلك أطلق عليه و هو الجمع فى داخل جوهره الألهى و لذلك أطلق عليه أيلوهيم الذى جاء بصيغة الجمع و كذلك ايضا امورا كثيرة و ليس فقط الجمع و انما القدرة المطلقة و الكمال الكامل و المعرفة الغير محدودة و كل صفات الكمال الألهى و لم يطلق عليه اعتباطا او هباء بدون فائدة لأن هذا لا يستقيم مع العقل ابدا و من هنا نفهم ان أطلاق أيلوهيم على يهوه القدير مرتبط بالتعددية فى الاثنين من جهة واحدة فقط من حيث اطلاق الاسم على يهوه.
باقية من أطلق عليهم أيلوهيم لابد ايضا ان يكون هناك شيئا متاشبه بينهم و بين الاسم ايلوهيم حتى يطلق عليهم الاسم و هنا سنأخذ الامثلة الشهيرة التى أطلق عليها هذا الاسم لنفهم من سياق النصوص سبب أطلاق الاسم أيلوهيم عليهم.
1-) موسى
خر 7:1 فقال الرب لموسى انظر.انا جعلتك الها (ايلوهيم-אלהים) لفرعون.وهرون اخوك يكون نبيّك.
لابد ان يكون هناك سببا ما متشابه بين موسى فى هذه الحالة و بين الاسم أيلوهيم ليجعل يهوه يربط بينهم و صراحة جهلاء هم من يقولون ان الربط بينهم كان بسبب صيغة الجمع فهم بذلك يغلقون اللفظ ايلوهيم على صيغة الجمع فقط و كأنه لا يحمل معانى القدرة و القوة و الاعجاز...ألخ و انما فقط صيغة الجمع فيقولون هل موسى ايضا مكون من ثلاث اقانيم و انا اعجب لهؤلاء المبطلين الذين لم يكلفوا أنفسهم قراءة العدد التالى مباشرة لهذا العدد و هو : انت تتكلم بكل ما آمرك.وهرون اخوك يكلم فرعون ليطلق بني اسرائيل من ارضه.
فالتشابه هنا ليس فى الجمع و انما فى علاقة النبى بالهه فالاله يكلم نبيه ليوصل رسالة ما الى الشعب و من ثم يقوم النبى بأيصال الرسالة الى الشعب و كذلك شبه الله موسى بالاله (ايلوهيم) لأنه سيقوم بعمل ما يقوم به الاله الا و هو ان يوصل رسالة الى هرون كما يوصل الاله رسالة النبى و من ثم يقوم النبى بأيصال هذه الرسالة و هكذا فعل موسى و هارون فليس معنى اطلاق لقب اله او ايلوهيم على موسى انه صار بالفعل ايلوهيم بل أطلق عليه هذا اللقب لوجود نقطة تشابه نسبية بين الاسم ايلوهيم و بين ما سيقوم به و هو ما اوضحناه سلفا.
2-) العجل المسبوك من الذهب
خر32:4 فَاخَذَ ذَلِكَ مِنْ ايْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالْازْمِيلِ وَصَنَعَهُ عِجْلا مَسْبُوكا. فَقَالُوا: «هَذِهِ الِهَتُكَ (ايلوهيم- אלהים) يَا اسْرَائِيلُ الَّتِي اصْعَدَتْكَ مِنْ ارْضِ مِصْرَ!»
نفهم من سياق الاصحاح ان المقصود بأطلاق أيلوهيم على هذا العجل هو ان هذا العجل المسبوك من الذهب أصبح بمثابة ألها لهم فقال الشعب فى اول الاصحاح "وَلَمَّا رَاى الشَّعْبُ انَّ مُوسَى ابْطَا فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا الِهَةً تَسِيرُ امَامَنَا لانَّ هَذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي اصْعَدَنَا مِنْ ارْضِ مِصْرَ لا نَعْلَمُ مَاذَا اصَابَهُ»"
فهذا العجل أصبح لهم ألها و هم قرروا ان يسيروا وراءه تاركين الرب الاله و من هنا تسمى بالوهيم الاسم الشائع للأله فى بنى اسرائيل فهم كانوا معتادون على تسمية الاله ايلوه بألوهيم אלהים و ذلك ليس لوجود صفة واحدة متشابهة بين ايلوهيم و ذلك العجل (حاشا للقدير من كل نقص هو منزه عنه لا شبيه له) و انما صفات عديدة من جانبهم هم فهم عبدوه كما عبدوا ايلوهيم و قدموا له الذبائح و المحرقات كما قدموا الذبائح و المحرقات لألوهيم (ع6) و قالوا انه ألههم مثلما قالوا ان ايلوهيم هو ألههم , فليس من الضرورى ان يكون التشابه فى الجمع داخل الجوهر الواحد و انما لو هناك صفة واحدة فقط متشابهة نسبيا بين أيلوهيم و اى أخر أطلق عليه أيلوهيم فهذا كفيل بتوضيح لماذا أطلق عليه أيلوهيم...فقط لمن يفقه!
3-) القضاة
مز 82:6 انا قلت انكم آلهة وبنو العلي كلكم.
اعتقد بعد ان أوضحنا كيفية أطلاق الاسم ايلوهيم على يهوه و اطلاقه على اى شخص اخر يجب ان يكون هناك تشابه بينهم واضح فى هذا النص لماذا أطلق على القضاة انهم ألهة (أيلوهيم-אלהים) اذ انهم مثل الله يقضون فى الامور و النزاعات تماما كما اوضح المزمور نفسه فى العدد الاول :الله قائم في مجمع الله.في وسط الآلهة يقضي,,,و المزمور نفسه يوضح كيفية تشبيه القضاة بايلوهيم نسبيا لذلك أطلق عليهم ألهة فيقول : حتى متى تقضون جورا وترفعون وجوه الاشرار (ع2) اقضوا للذليل ولليتيم (ع3) فهذا التشابه بينهم و بين ألوهيم فى القضاء نسبيا لأجله أطلق عليهم انهم ألهة (ايلوهيم)
بهذا نكون بينا دلالة الاسم ايلوهيم و معناه لغويا و فى نظر اليهود و كيف أنه يدل على ثلاثة فقط لا أكثر و اوجه التشابه النسبى بين ايلوهيم و من دعوا بايلوهيم مما جعلهم يطلق عليهم ايلوهيم
و من له اذنان للسمع فليسمع
adieu
أما بالنسبة لقصة الخلق:
أولا توضيح المقصود بالسته ايام للخلق... والمقصود بالراحة فى اليوم السابع..
في الحقيقة ان كلمة يوم هنا كلمة رمزية فهى لا تعنى 24 ساعه.... ولكنها تشير إلى مدة زمنية (حقبة من الزمن)لها بداية ولها نهاية ... اشار الكتاب المقدس اليها بكلمة مساء وصباح.
والحقيقه ان الكتاب المقدس في اكثر من موضع توجد به كلمة يوم لتشير إلى فترات زمنية مختلفة سواء طويله او قصيرة... ومنها(على سبيل المثال لا الحصر):-
1/عبارة يوم تشير الى لحظات او دقائق:
"اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم"(مز7:95)
2/ تشير إلى عدة سنوات:
"الانسان مولود المرأة قليل الايام وشبعان تعبا"(اي 14: 1)
" أيامي كظل مائل وأنا مثل العشب يبست"(مز11:102)
3/ يوم تشير إلى المستقبل :
"اسمع يا اسرائيل.انت اليوم عابر الاردن لكي تدخل وتمتلك شعوبا اكبر واعظم منك ومدنا عظيمة ومحصّنة الى السماء." (تث 9: 1)
"هذا هو اليوم الذي صنعه الرب.نبتهج ونفرح فيه." (مز 118: 24)
4/ عبارة يوم تشير إلى الحياة :
"انما خير ورحمة يتبعانني كل ايام حياتي واسكن في بيت الرب الى مدى الايام"(مز6:23)
"وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر"(مت20:28)
5/ عبارة يوم تشير إلى 1000 سنه:
"لأن ألف سنة في عينيك مثل يوم أمس بعد ما عبر وكهزيع من الليل."(مز4:90)
6/ هناك عبارة واضحة جدا فى الكتاب المقدس تدلل على ذلك:
"أن يوماً واحداً عند الرب كألف سنة , وألف سنة كيوم واحد" (2بط 8:3)
وغير ذلك يؤكد هذا المفهوم جدا فى نفس الاصحاح....أن سفر التكوين يذكر عبارة " وكان مساء وكان صباح" كل الأيام ماعدا اليوم السابع.... أى ان كل ايام الخلق كان لها بدايو ونهاية ... اما اليوم السابع فلم ينتهى بعد ... فاليوم السابع (الحقبة الزمنية السابعه فى الخلق) تمتد منذ أن خلق الله آدم وحتى نهاية العالم .... ونحن لازلنا نعيش في هذه الحقبة الزمنية(اليوم السابع).
adieu
إرسال تعليق