The Out Campaign
  

محرك البحث اللاديني المواقع و المدونات
عرض مدونات الأديان من صنع الإنسان
تصنيفات مواضيع "مع اللادينيين و الملحدين العرب"    (تحديث: تحميل كافة المقالات PDF جزء1  جزء2)
الإسلام   المسيحية   اليهودية   لادينية عامة   علمية   الإلحاد   فيديوات   استفتاءات   المزيد..

08‏/10‏/2010

الإلحاد الأخلاقي والأديان اللاأخلاقيّة

الكاتب : نبيل فياض
المصدر: كلنا شركاء All4syria

الإلحاد مبدأ وحداني، والأديان تعددية، إن لم نقل وثنية. الإلحاد واحد: لا وجود للإله، لأي نوع من الآلهة. والإنسان جاء إلى الكون عبر عملية بيولوجية طويلة معقدة، لا أميل إلى وصفها بالارتقاء. الأديان تعددية. كلّ دين يزعم أن لديه تصوراً لإله يخصّه. وكل دين يزعم أيضاً أن تصوره للإله هو الأصح، والأكثر تلبية لمقولات " العقل "! لا يختلف الملحدون فيما بينهم حول لا شكل الإله، لأنه ببساطة غير موجود؛ بالمقابل، لا تختلف الأديان فيما بينها حول إذا ما كان الإله واحداً أم أكثر فحسب، بل تختلف حتى الأديان التي تعتبر أن لا وجود إلا لإله أوحد فيما بينها حول شكل هذا الإله ونمط عيشه. لا يتقاتل الملحدون فيما بينهم حول أحقيّة هذا التصوّر للإله أو ذاك؛ في حين يقتل المتدينون أحدهم الآخر لأنه خالفه في تصوّره لإله يعرف القاصي والداني أن الأدلّة عليه ظنيّة.
يجب أن ينتهي عصر الأديان: الأديان استهلكت ذواتها في عصر علت فيه – كما يفترض – حقائق العقل على مزاعم الغرائز. بلغتنا الدوائيّة: الـ expiry date للأديان انتهى منذ أمد طويل؛ لذلك صارت أضرارها أكبر بكثير من فوائدها، إن بقي فيها فوائد أصلاً. جاؤوا لإكمال مكارم الأخلاق؟ كلام خرافة يا أم عمرو! فبعد أن قتلوا الرجال واستحلوا الأموال والنساء واستعبدوا الأطفال تحت عناوين مقدّسة مريعة، هاهم اليوم يستديرون إلى أنفسهم – الآخر غير المتدين محمي بقوة العقل والتكنولوجيا – بانقسامات غبية، ليتقاتلوا حول مسائل لا يقبل بها منطق أو عقل. – هل سمعتم بدولة اسمها لبنان؟ أو مجموعات بشرية اسمها العراقيون؟

ليس الإلحاد مسألة سهلة: إنه يحتاج إلى جهد هائل إن على صعيد التنمية المعرفيّة أو على صعيد التغلّب على القيود الداخلية الموروثة أو المكتسبة. وقناعتي الشخصيّة، أنه حتى نيتشه، الذي قد يعتبره بعضهم نبي الإلحاد الأبرز، لم يستطع أن ينكر بالمطلق وجود الله. أنكر نيتشه أن تكون ثمة واسطة للتواصل مع الإلهي، لكني لم أشعر قط أنه أنكر الإلهي ذاته. ربما فويرباخ، الرقم الأصعب في تاريخ الإلحاد العقلاني اللاشعري، كان أول من أدلج رفض وجود الله بطريقة فلسفية. وجاء بعده من ثم ماركس والشيوعيون. فرويد، من ناحية أخرى، رفض الإله من منطلق آخر، وإن لم يبتعد كثيراً عن التأمل الفلسفي، لكني لم أشعر يوماً أن رفض فرويد للإله كان واضح السمات دون أي التباس.
الأديان، دون أي التباس، مسألة بيئة ومحيط. كيف؟ أذكر من تجاربي الكثيرة بين أتباع الأديان، أن ثلاثة رجال من أديان مختلفة، الأول لبناني ماروني، الثاني دمشقي إثنا عشري، والثالث يهودي سوري أرثوذكسي، زعموا أنهم جميعاً خرجوا ذات يوم من أديانهم، درسوا الأديان كلها، ليكتشف واحدهم من ثم أن الديانة الصحيحة، بل المذهب الصحيح، هو الذي ولد عليه. إذاً، الدين ليس حقيقة مطلقة. الدين مسألة نسبية. فمن يولد في طوكيو لا يمكن أن يكون مارونيّاً؛ لأنه لا يمكنه اعتناق شيء لا يعرفه. ومن يولد في مكة، لا يمكن أن يؤمن بأحد آلهة الهنود الحمر، للسبب ذاته؛ أما من يولد في عائلة يهودية في القدس فلا يمكن على الإطلاق أن يكون من أتباع ديانة الشنتو، لأنه لا يمكن أن يسمع بها، باستثناء قلة من اختصاصيين نادرين.
هل الله موجود؟ السؤال الأهم في تاريخ البشرية. هل تمتلك الحيوانات الراقية التي نتشارك معها في شكل وظائفنا الحيوية عدا الدماغ الذي يبدو أنه أخذ عند الإنسان منحى آخر، أي شكل من أشكال التفكير الماورائي؟ ما يظهر لنا حتى الآن، أقله في مسألة الموت، أن الحيوانات الراقية لا تمتلك أي شعور بالماوراء. إذن: إن وضع دماغ الإنسان الذي أتاح له مزيداً من الإحساس بوجوده " هو " والذي أوصله إلى اختلاق ميثة الماوراء. وفي اعتقادنا أن الموت وتفاصيله المزعجة للبشر تحديداً هو ما أوصل الإنسان إلى ميثة الماوراء. الإنسان حيوان اجتماعي. وربما أن هذا الميل الغريب عند الإنسان نحو " المجتمعية " سببه الضعف البشري الأوضح أمام التحديات الخارجية ووعي تلك التحديات. وبالمناسبة؛ زادت فردانية الإنسان مع ازدياد قوته وسيطرته على العالم: بمعنى أنه كلما ارتفعت القدرات التكنولوجية لمجتمع، كلما ارتفعت فيه نسبة الفردانية؛ والعكس صحيح. الإنسان لا يشهد موته: بل موت غيره. وفي اعتقادنا فإن ألم الأنا أمام موت الهوَ ناجم أساساً عن إحساس الخوف وحيداً في متابعة مواجهة العالم. والواقع أن طقوس الموت الشعورية تتراجع حدتها أيضاً مع ازدياد الإحساس بالفردانية. موت الهوَ يبعث في الأنا رعب الخوف من الآتي. والحقيقة أن اختلاق العلل المطمئنة هو أحد خواص الدماغ البشري. كيف؟ الإنسان كحيوان أقرب إلى الجبن، يخشى على الدوام السببيات الباعثة على الرعب. لذلك يعمل باستمرار على ابتداع سببيات تبعث على الاطمئنان الداخلي، ضمن آلية نفسية معقدة. فلو سمع أحدنا صوت انفجار بعيد، غالباً ما يحاول اختلاق سببية مطمئنة، إلا في حالات الخلل النفسي، كي يبعث في ذاته السكينة. قيامة الموتى هي أبرز السببيات المطمئنة التي لفقها الإنسان كي لا يدمر أمانه الذاتي. في بلاد القبط ( اسم مصر = مصرايم العبرية، غير دقيق ) نجد أن السكان قبل ألوف السنين كانوا يؤمنون بحياة ما بعد الموت، مع أن إيمانهم بالألوهة كان مشوشاً. مفهوم أوحد لما بعد الموت، مقابل مفاهيم عديدة للإله. ونحن هنا نرجح أن الإيمان بالقيامة سبق الإيمان بالآلهة، ومن ثم بالإله الأوحد، الذي يقال إن أخناتون أول من اخترعه. الأنا تخشى على الذات من مغادرة أبدية للهوَ عبر فعل الموت. وضمن الآلية النفسية التي يمكن أن نسميها بالسببية المزيفة، تقنع الأنا ذاتها بإمكانية عودة الهوَ للحياة. ولما كان الوقت يمر على الدوام دون أن يعود الهوَ إلى الحياة، لفقت الأنا لذاتها عالماً آخر يمكن أن تلتقي فيه مع الهوَ. وبسبب عجز الأنا عن إعادة الهوَ للعيش، تم تلفيق كيان أكثر قوة لإكمال العملية. وهكذا جاءت الآلهة، ومن بعدها الله، إلى الوجود.
تبدو اليهودية في الشرق الأدنى، مقابل الهندوسية في الهند، خزّان الأديان والمذاهب الذي خرج منه عدد غير قابل لأن يحصى من العقائد. تاريخ اليهودية ما قبل السبي غامض تماماً؛ وفي نهاية القرن العشرين ثارت معركة معرفية بين من قال إن اليهودية ( أرجح أنهم قصدوا ما قبل السبي ) جاءت من جزيرة العرب، ومن ادعى إن اليهودية فلسطينية الأصل. لكننا نعتقد أن اليهودية، بناء على التقويم العبراني، نشأت رعوية – مثل الإسلام تماماً، حيث كان التقويم قمريّاً – ثم انتقلت إلى بيئة زراعيّة، حيث تم اعتماد التقويم الشمسي. واليهودية، كديانة توفيقية، ما تزال إلى اليوم تحتفظ بالتقويمين. بل إن بعض أعياد اليهودية ( البيساح، روش هاشناه، يوم كيبور ) ما يزال رعوي السمة، في حين أن أعياداً أخرى ( مثل السوكاه، الشبعوت ) زراعية تماماً. اليهودية لم تكن على الإطلاق ديانة توحيدية كما هي الآن: التوحيد جاء في مرحلة متأخرة من تاريخ تلك الديانة. يهوه، إله العبرانيين، كان إلهاً خاصّاً بالشعب العبراني، مقابل الآلهة الأخرى التي كان كل منها يخص شعباً بعينه. كان ثمة صراع بين يهوه وإيل، أهم إله في منطقة الشرق الأدنى. والصراع التاريخي بين يصحك ( يهوه يضحك ) ويشماعإيل ( إيل يسمع )، الذي انتهى بطرد سارة الأميرة وابنها يصحاك ( اسحق ) لهاجر الجارية وابنها يشماعإيل ( اسماعيل ) من الأرض المقدسة، هو التمثيل الرمزي عبر هذه الميثة الشهيرة لانتصار يهوه على إيل. لكن الإلهين سرعان ما تصالحا فاندمجا في إله واحد، كان أبرز تمثيل له ميثة أخرى اسمها إيلياهو ( النبي اليهودي الخارق )، الذي يعني اسمه، إيل هو يهوه.
تموضع يهودية ما بعد السبي بين حضارات المدن-الدول السورية شمالاً، وحضارات الممالك الميزوبوتامية في الشمال الشرقي، والتراثات الشفوية لبدو شبه الجزيرة جنوباً، وحضارات بلاد القبط في الجنوب الغربي – كل ذلك جعل يهودية ما بعد السبي الديانة التوفيقية الأكثر غنىً بعناصر لا حصر لها من ثقافات مختلفة. وكان الدور الأهم لليهود في تلك المرحلة التوفيق بين التناقضات: تناقضات تبدو صارخة للعيان في الأسفار الأولى من كتاب العبرانيين المقدّس. دون أن ننسى الأهمية الفائقة للكتاب المقدّس العبراني في أنه حفظ لنا نسخة عبرانية عن أساطير المنطقة.
اليهوديّة أخذت معتقداتها وأساطيرها عن الأديان التي سبقتها، والتي توصم اليوم بالوثنية. بما في ذلك مفهوم خلود النفس الذي ظل بدوره محط جدل بين فئات اليهود إلى زمن متأخر، أي صراع الصدوقيين والفريسيين. ( في كتابي الجديد عن ابن ميمون مناقشة حول القيامة من منظور هذا العلامة اليهودي الأبرز، والتي تظهر أن جدل " القيامة " ظل محتدماً حتى زمن متأخر كزمن ابن ميمون ). لكن الأهم هو أن اليهودية أخرجت من رحمها، كما أشرنا في غير بحث وكتاب، ديانتين هما المسوقتان الحقيقيتان للإرث اليهودي، أي المسيحية والإسلام. إذن، باستثناء المسيحية التي أضاعت ملامحها الأصلية في عملية تيونن طويلة الأمد، اليهودية والإسلام ليسا أكثر من عقائد قديمة أضفيت عليها صبغة التوحيد.
الإلحاد وحدة والتدين شرذمة. لا إله الملحدين واحد؛ في حين يختلف أتباع الأديان والمذاهب بين بعضهم حتى القتال على شكل لإله لا وجود له. وإذا أخذنا العلاقة البيانية بين التدين والسلام فسوف نلحظ أنه كلما تناقص التدين في منطقة ما من العالم، كلما ارتفعت سوية السلم والأخلاق؛ والعكس صحيح. الأخلاق الإلحادية لا علاقة لها على الإطلاق بأخلاق الأديان، خاصة منها الشرق-أوسطيّة، التي يبدو أن الكبت بكافة أنواعه بؤرتها؛ الأخلاق الإلحادية، باعتبارها نتيجة تثاقف عالي السويّة، تتمحور حول حقوق الإنسان، حدود الإنسان مقابل الإنسان الآخر. بل يمكن القول إن معظم الفلسفات الحقوق-إنسانية التي عرفها العالم في القرن الأخير كانت إلحادية قلباً وقالباً.
قال فويرباخ ذات تأمل: " الإله هو الإنسان المتأله " – تلك هي قمة الأخلاق. المتدين في أي فعل إنساني يقترفه إنما يفعل ذلك ( غالباً ما يكون فعله الإنساني مقصوراً على بني جلدته الدينيين ) من أجل تسجيل نقاط له في دفتر يومياته الماورائي. بمعنى آخر، إذا أخذنا الفرد المسلم على سبيل المثال لا الحصر، فإن أي فعل خيري يقوم به الفرد المسلم، إنما يأتي نتيجة رغبة هذا الفرد في تسجيل نقاط له في دفاتره الأخروية تضمن له مكاناً أفضل في جنة إلهه المتخيلة؛ أي أن الفرد المسلم يستعمل الآخر كموضوع من أجل شيء ذاتي بالمطلق. في الفعل الإنساني عند المتدين، الآخر المفعول به إنسانيّاً ليس غير وسيلة لهدف ذاتوي. في الفعل الإنساني الإلحادي، الآخر الذي يقع عليه الفعل الإنساني هو الوسيلة والهدف. فالملحد لا يمتلك دفاتر أخروية يمكن أن يسجل نقاطاً لصالحه عليها من أجل آخرة مرغوب بها. إذن: الفعل الخيري عند المتدينين ليس أكثر من أنانية تحت أسماء براقة.
السويد، الدانمارك، سويسرا، فنلندا، آيسلندا، هولندا؛ مقابل الباكستان، لبنان، اليمن، إسرائيل، سوريا، مصر، إيران، العراق، دول الخليج العربي: كم يبدو إنسانيّاً أن ننتهي من الآلهة وذيولها.

7 تعليق(ات):

إظهار/إخفاء التعليق(ات)

إرسال تعليق

ملاحظة: المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي ناشرها